إن من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم مواسم للخير، وجعلها ميدانا للتزود بالأعمال الصالحة، ولقد شرع المولى عز وجل الحج تطهيرا للنفوس من الذنوب والآثام، ففيه رفعة للدرجات، وفيه تكفير للخطايا ومحو للسيئات.
حول الحكمة الربانية في فريضة الحج قال فضيلة الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة - جامعة الإمام بالمملكة العربية السعودية، أن من حكمة الله عز وجل أن ربط قلوب المسلمين بالبيت الحرام ارتباطا روحيا وشرعيا وثيقا، فهذه الجموع العظيمة التي تأتي من كل أرجاء المعمورة، والتي تفد إلى البيت الحرام مشتاقة ومتلهفة، بلباس واحد، ولغرض واحد، وقصد واحد، وتلبية واحدة، وقد زالت بينهم الفوارق والاختلافات، واجتمعوا على قول "لبيك اللهم لبيك"، هي التجسيد الواقعي لقول ربنا سبحانه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة:125]، "مثابة" أي محلا وموطنا تشتاق إليه الأرواح وتحن، ولا تقضي منه وطرا ولو ترددت عليه كل عام.
ولقد أرشد الله نبيه إبراهيم الخليل لمكان البيت وأمره ببنائه وإعداده لعباده المؤمنين، ثم أمره بعدما اكتمل البناء أن يؤذن في الناس بالحج، {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [سورة الحج: 26-27]، ثم في الآية التي تليها بين الله الحكمة من فرضية الحج؛ وهي تحقيق المنافع على كثرتها ولتفاوت الناس في الحصول عليها، وهي في ذلك منافع دينية ودنيوية، {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} [الحج:28].
فمن منافع الحج:
أولا: إتمام أركان الدين، وإظهار قوة الإسلام ووحدة المسلمين وتعاضدهم وتواصلهم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.
ثانيا: تعلم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية، فأكم من مسلمين يفدون إلى الحج من أصقاع الأرض وهم يحملوا بدعا وخرافات، وربما شركيات، فيقف لهم علماء المسلمين الثقات ليعلموهم صحيح الدين، ويصوبون أخطاءهم.
ثالثا: من منافع الحج تربية النفوس على الحلم والصبر، فإن الحاج قد يناله ما يناله من التعب والمشقة في السفر، أو في أداء المناسك، فيتعلم الصبر والقدرة على التحمل، وضبط النفس، وحفظ اللسان من الجدال أو الانفعال، وهجر الأفعال والأقوال الذميمة، كما يتعلم التواضع والتراحم والشفقة على الضعفاء والمساكين، لا سيما في مواطن الزحام.
رابعا: من منافع الحج الكبرى حصول المغفرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج ولم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" [متفق عليه].
وأخيرا، من منافع الحج تذكر الموقف العظيم يوم الحشر، عندما يرى المرء أفواج الحجيج وهي تتدفق نحو جبل عرفات، حينئذ يتذكر مشهد يوم القيامة، وهذا الأمر أشار إليه ربنا جل وعلا في ختام آيات الحج من سورة البقرة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة:203]، ففي هذا إشارة إلى أن الحاج ينبغي له أن يتذكر يوم الحشر ويوم العرض الأكبر على الله عز وجل.
ويضيف فضيلة الشيخ أن الحج إلى بيت الله الحرام هو أحد أركان الإسلام الخمسة، فرضه الحكيم العليم سبحانه على المسلم مرة واحدة في العمر، لمن استطاع إليه سبيلا، فمن كان مستطيعا بماله وبدنه وقدرته ولم يحج، فليبادر بأداء هذه الفريضة وليتعجل في ذلك ولا يتهاون، فإنه لا يدري ما قد يعرض له في قابل الأيام، فلربما حان الأجل ولقي المرء ربه وهو مقصر في أداء ركن عظيم من أركان الإسلام، وفريضة كبرى من فرائض الدين.