الحياء خلق رفيع، وهو أساس مكارم الأخلاق، ومنبع كل فضيلة، يؤسس في النفس عاطفة حية، تترفع بها عن الخطايا، وتستشعر الغضاضة من سفاسف الأمور، وتخجل من أن يؤثر عنها سوء أو شائبة، فإن من حسن حياء المرء أن ينزه لسانه عن أن يخوض من باطل، وبصره أن يرمق عورة، وأذنه أن تسترق السمع إلى سرٍ أو خبأ، فإن فعل ذلك عن شعور بأن الله يراقبه، وتحرٍ ألا يُفرط في جنب الله، فقد استحيا من الله حق الحياء.
يرى الدكتور عمر عبد الكافي - عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - أن كل دين ومذهب له خُلق، وأن خُلق الإسلام هو الحياء، فقد علمنا إمام الهداة، وخير المرسلين، كيف تكون علاقتنا بربنا، كيف نستحي من الخالق سبحانه وتعالى، فكلنا مذنبون خطاءون، لكن منا من يضع الذنب أمام عينيه، ويظل خائفا وجِلا ألا يغفر الله له، ومنا أناس على صنف آخر، ينسون الذنب وهم ماضون في طريقهم.
ويضيف الدكتور عبد الكافي أن الحياء من الله يقتضي ألا تشكو المُنعِم إلى المُنعٓم عليه، ألا تشكو الخالق للمخلوق، ألا تظل تتبرم وتتشكى من أحوالك للآخرين، فبلا من أن تشكو، حاول أن تبحث عن حل، فالإنسان الناجح يرى ألف حل لكل مشكلة، والإنسان الفاشل - على حد قول الدكتور - يرى ألف مشكلة وراء كل حل، فقط عليك أن تتصل بمولاك، وترجوه رجاءا لا حدود له، ثم انتظر الفرج، فالله سبحانه وتعالى يربينا على موائد كرمه، فهو الذي يجعل في كل محنة منحة، فاجعل يقينك بالله، واشكره على سابغ نعمه، واستح من تقصيرك، فالعبد ينبغي أن يستحي من الله عندما يرى النعم متواترة حوله، والشكر عليها قليل، فالشكر قيد النعمة، والتقصير والاستهانة ربما يهدد بزوال أنعم الله .
ما الذي يجعل صاحب النعمة ينساها ؟
يجيب فضيلة الدكتور عمر أن مع أول ابتلاء يصيب المرء ربما يذهل عن سابق الآلاء والنعم، خاصة إذا كان ذلك الابتلاء قد أصابه في صحته أو أعزائه، أو إذا ما كان الابتلاء في مال يصيبه أو يضيع منه، فالرفاهية المطلقة مثلها مثل الفقر المدقع في رأي الشيخ عبد الكافي، كلاهما فتنة، واختبار من المولى عز وجل لعباده في الدنيا.
هذا ويشير الدكتور إلى أن الحياء على نوعين: حياء الأفراد، وحياء الأمم والجماعات، حياء الأفراد هو ألا تقتحم بعينك ولا بأذنك أسرار الناس، بل بالعكس، أن تغض بصرك عن عيوب الآخرين، وأن تعُف سمعك عن سماع السوء في حق أعراض المسلمين، فالناس على مجمل أحوالهم لا يخرجون عن كونهم إما مبتلين وإما معافين، فلنحمد الله على العافية والمعافاة من ابتلاءات الأجساد والنفوس، وعلينا أن نسأل الله العافية والهداية لكل من ابتُلى في دينه أو في دنياه.
النوع الثاني من الحياء هو حياء الأمم والجماعات، جميعنا سنقف بين يدي الله ليسألنا ماذا صنعتم بأنعم الله؟ ماذا قدمتم للناس في بقاع الأرض من فيض ما رُزقتم في الدنيا؟
هناك دول في شمال أوروبا فتحت أبوابها للاجئين المسلمين الفارين من جحيم الحروب والصراعات، ماذا يضير أثرياء المسلمين - وهم كُثر ما شاء الله - أن يتعاونوا على كفالة جماعات من اللاجئين المسلمين في البلاد الأوروبية، وأن يخصصوا جزءا من زكواتهم في كفالة الأيتام المهجرين، وشراء مساكن تؤويهم وإنشاء جمعيات تتعهدهم بالرعاية والإنفاق، وتحفظ عليهم دينهم وعقيدتهم وتشرف علي تنشئتهم على مبادئ الإسلام وأسس العقيدة ؟ هذه نماذج لسلوكيات الحياء الجمعي، وشكر الله على نعمه العظيمة.
وأخيرا يوضح الدكتور عمر عبد الكافي أبرز سمات الحياء لدي المسلم، يقول أنه إذا وجد المرء في نفسه إقبالا علي فعل الخيرات، ومسارعة في التوبة، فهو ذو حياء من الله، أما إذا وجد من نفسه تكاسلا عن المضي في فعل الخير، واعتياد استخدام النعم في معصية المنعم، فهو في طريق قد تفضي نهايته إلى إغضاب المنعم وزوال النعمة ذاتها، ويضيف: فهلا تُفيق الأمة وتعود إلى دائرة الحياء من ربها الذي أكرمها وأنعم عليها بكل هذه الآلاء؟. فإن فعلت ، فقد سعدت وأسعدت.