19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

عبد العزيز السويدان: من علامات ضعف الإيمان الاستهانة بعواقب قطيعة الرحم

25 أكتوبر 2015

لن يُفلت أحد من سؤال الرحم يوم القيامة، فما الذي يجعل بعض الناس يستهينون بقطع أرحامهم؟ وما هي مظاهر قطع الرحم اليوم؟ وكيف نصل أرحامنا في عصرنا الحديث المثقل بالهموم والمشاغل؟

حول هذه التساؤلات تحدث فضيلة الشيخ عبد العزيز السويدان – الداعية والمحاضر- أن من أسباب الاستهانة بمسألة قطع الرحم؛ الجهل بالعواقب العاجلة والآجلة للقطيعة، مما يجعل بعض الناس يجترئون عليها، كما أن الجهل بفوائد الصلة يؤدي إلى إهمالها في كثير من الأحيان، فالله سبحانه وتعالى قد جعل للرحم مقاما عاليا في جنب الصراط، فكيف يكون أمر الرحم هيّنا وقد لعن الله الذين يقطعون أرحامهم! يقول ربنا جل وعلا ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ*أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ سورة محمد: 22- 23 .

ويقول في آية أخرى ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ الرعد:25.

يرى فضيلة الشيخ أن الكِبر سبب من أسباب قطيعة الرحم، فالكبر آفة وخيمة بذاتها وبآثارها، بعض الناس يرى أنه بوجاهته وثرائه وعلو شأنه بين القوم، وجب على أهله أن يصلوه هم، دون أن يصلهم ، وهو بذلك لا يدرك أن النبي الذي هو أعلى منه مقاما والذي هو خير البشر، كان يصل الناس كلهم على مختلف مكانتهم وأعمارهم.


من أكثر أسباب القطيعة شيوعا في رأى الشيخ هي الخصومة بين الأقارب، لا من أجل الدين، بل من أجل متاع الدنيا؛ كالإرث، الأملاك، المال، وقد لا يتسامح أحدهم لله من أجل أخيه أو أخته أو أبناء عمومته، بل قد يجر بعضهم بعضا إلى المحاكم، ومن جلسة إلى أخرى، ومن موعد إلى آخر، تتمزق العلاقات وتنقطع الأرحام، وكل هذا من أجل دنيا زائلة.
وليس المال وحده سببا في النزاعات، فلربما اندلعت الخصومة بين العائلات بسبب موقف عابر أو كلمة مسيئة نزغ الشيطان بها بين الأقارب، أو كانت بفعل نمام حسود أوغر صدورهم وأفسد فيما بينهم، فتنقطع الأواصر وتُرفض الشفاعات، وتمر الأعياد تلو الأعياد، والمناسبات تلو المناسبات، ولا تجد أحدا من طرفي الخصومة يلين جانبه، ويمد يدا للصلح، أو يحتسب الصفح لله عز وجل.

من أسباب القطيعة أيضا الانشغال بالدنيا، بين مال وتجارة وسفر هنا وسفر هناك، والقلب مشغول بما هو - في ظنه – أهم من صلة الرحم، فإذا ناصحه أحد قال هكذا هي الدنيا، سلمنا الله من شرها، فإنها إذا تمكنت من قلب الإنسان أبعدته عن أهله وقرابته.

غير أن العديد ممن نحسبهم على خير يتداركون الأمر بعد حين، ويسعون لوصل ما انقطع بفعل مشاغل الحياة، فإذ بهم يفاجئون بالعتاب الشديد بدلا من الترحيب، يحدث كثيرا أن بعض الناس إذا زاره أحد أقاربه بعد طول انقطاع، أمطر عليه وابلا من اللوم والتأنيب على ما كان من تقصيره وإبطائه في المجيء إليه، من هنا تحصل النُفرة، ويتباعد الناس نفورا من ذلك العتاب والتقريع، يقول الشيخ : ما أجمل أن يكون المسلم واسع الصدر، سمحا، غاضّا للطرف عن تقصير الآخرين في حقه، فبذلك تدوم المودة وتستمر الصلة.

ربما كان أيضا من أسباب التباعد وقطيعة الرحم سوء استقبال الزائرين، فمن الناس من إذا زاره زائر، لم يظهر فرحا باستقباله، بل ربما تجهم وجهه حتى يظن زائروه أنه يضيق صدره بمجيئهم، فتقل زيارتهم له حينا بعد آخر حتى يقاطعوه كليا.

وعلى العكس من هذا نجد التكلف الزائد، هناك من إذا زاره ذووه، وكان بسيط الحال، تكلف لهم أكثر من استطاعته إلى درجة أن يستدين لإكرام ضيافتهم، فربما يتسبب هذا في أن يُحجِم أقاربه عن زيارته خوفا من إيقاعه في الحرج، فالإسلام وإن كان يحث على الجود والكرم، إلا أنه ينهى عن الإسراف والتكلف في الضيافة، خاصة لمن كان رقيق الحال، قال الله تعالى ﴿ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾ الطلاق:7.



كيف نصل أرحامنا في هذا الزمان ؟

يظن الكثيرون أن الصلة لا تكون إلا مع الواصل، فهي بذلك كالمكافأة، لا يستحقها إلا من وصلهم، أما القاطع فليس أهلا للصلة، لهذا أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تعديل ذلك المفهوم الدارج في أذهان الناس، جاء في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ مَنْ إذا قٌطِعَتْ رَحِمَهُ وَصَلَهَا).


أما وسائل صلة الرحم مع تعقيد الحياة الحديثة، فهي ليست كما كانت عليه من بساطة في الماضي؛ زيارات بلا موعد، دخول وخروج وأبواب مفتوحة، كلا، لا يناسب هذا أكثر الناس اليوم، ولذلك يرى الشيخ أنه ينبغي مراعاة ظروف الناس وأحوالهم، وألا يثقل الأقارب بعضهم على بعض بحجة وصل الرحم، وأن نتذكر دوما أن الغاية من وراء الصلة هو تأليف القلوب وتقوية أواصر القُربى، فإذا أدت طريقة الصلة إلى عكس ذلك لزم العدول عنها إلى طريقة أخرى، تراعي طبائع الناس وظروفهم .

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت