إن طهارة القلب، ونقاء السريرة من أشرف الخصال التي تقرِّب صاحبها من الله ورسوله، كما أنها من موجبات الأجر والثواب، فهذه الشريعة الغراء جاءت فيما جاءت به لأجل حفظ سلامة الصدور، ولأجل أن تبقى العلاقة بين المؤمنين على أحسن ما يكون.
حول الأسباب والعوامل التي تعين المسلم على أن يطهر قلبه تجاه إخوانه تحدث فضيلة الدكتور محمد ضاوي العصيمي، الداعية والمحاضر، مؤكدا أن ربنا سبحانه وعد في قرآنه أن يدخل الجنة ذوي القلب السليم الخالي من أدران الحقد والضغينة، فقال عز وجل: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَال ٌوَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ سورة الشعراء، من أجل هذا كتب الله على أهل الجنة ألا يدخلوها إلا بعد أن تنقى قلوبهم وتسلم صدورهم من التعكر والغل ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ الأعراف:43، فهذه الجنة لا مجال فيها للأحقاد ولا يدخلها إلا صاحب قلب سليم.
إن علاقة الأخوة الإيمانية بين المسلمين علاقة عظيمة، لا ينبغي بأي حال أن تؤثر فيها توافه الأمور، لكن للأسف بعض المسلمين اليوم قد ينسف علاقة تمتد لسنوات بإخوان له بسبب موقف تافه، لذا فإن أول عامل يساعد في تطهير القلوب هو حسن الظن، لو قدمنا حسن الظن في علاقاتنا الأخوية لما احتجنا للكثير من التبريرات لمختلف المواقف التي تقع بيننا، الأصل أنه إذا بدر من أخيك كلمة أو موقف أو ربما تغريدة تسبب سوء فهم، أن تقطع هذا الدابر الشيطاني وتسأله مباشرة عما كان يقصد بتلك الكلمة أو ذلك الموقف، كم من أسباب للشقاق زالت بمجرد التثبت وتقديم حسن الظن، حتى لا تتسع الهوة ويزداد الجفاء بين الناس من جراء عدم التثبت.
الأمر الثاني هو الكلمة الطيبة، بعض الناس من شدة ما اعتاد الفحش من القول، أصبحت الكلمة الطيبة ثقيلة على لسانه، لكن طاهر القلب تجد الله يجري الكلام الطيب على لسانه دون أن يتكلفه، ونحن مأمورون بنص القرآن بانتقاء أحسن العبارات والألفاظ في تعاملاتنا مع الناس ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ البقرة:83.
من مطهرات القلوب كذلك البشاشة والطلاقة والابتسام، فهذا سبب ربما لا يراه بعض الناس له تأثير، لكن الواقع غير ذلك، كم من إنسان وقعت في قلبك محبته وأنت لا تعرفه وربما التقيته مرة واحدة، لما ترى منه البشاشة وحسن اللُقيا، هذا أمر عظيم يجمع القلوب لا ينبغي التقليل من أهميته، ولا يقل عنه أهمية انشراح الصدر لتقبل النصيحة، وشكر الناصح، وإقالة العثرات، والتجاوز عن الزلات، والتسامح وقبول اعتذار المخطئ.
من مطهرات القلوب كذلك أن يبعد الإنسان نفسه عن مواطن الريبة، وعن التصرفات التي تضعه في دائرة الشك في نظر الناس، والبعد كذلك عن الحسد، رغم أن الحسد في رأي بعض العلماء لا يسلم منه كثير من الناس، قيل: [ما خلا جسد من حسد، لكن الكريم يخفيه، واللئيم يبديه]، ولا طريقة لدفع الحسد أعظم من الدعاء للمحسود، إذا وقع في قلبك حسد لأحد، ادع له في سجودك، وثق أن الله سيزيل هذا الحسد من قلبك، والقضية هنا ليست فقط تتعلق بدفع الحسد، وإنما أيضا هي قضية علاج نفسي، تطهير وتنقية للقلب.
ومن أعظم وأجل الأسباب التي تطهر قلب المؤمن؛ محبة الخير للمسلمين، ذلك الشعور الأخوي النبيل الذي ينبغي أْن تبنى عليه العلاقات بين الناس، أما أن يستأثر المرء بالخير لنفسه أو لعائلته أو لمحيطه الذي حوله ولا يبالي بما يحصل للمسلمين من مصائب وكرب وهموم لاشك ان هذا ينافي حقيقة الإخوة الإيمانية التي يجب ان يحرص الانسان عليها .