إن إدارة الوقت هي الاستخدام الأمثل للزمن من أجل تحقيق غاية ما، والنجاح فيها يتأتى بإنجاز الأهداف في حدود الزمن المتاح، من أجل هذا فإن إدارة الوقت في حياة المسلم هي عبادة ممتدة، والمؤمن الفطن هو الذي يستثمر أوقاته، ويوزع مهامه، ويدير وقته فيما يحقق له المنفعة القصوى سواء في الدنيا أو ادخارا للآخرة.
حول موضوع إدارة الوقت من منظور شرعي يقول فضيلة الدكتور فهد إبراهيم الجمعة، الداعية والمحاضر، أن الوقت نعمة غالية لا تقدر بثمن، واستثمار الأوقات فيما ينفع العبد وفيما يقربه إلى الله جل وعلا هو أصل عظيم من أصول الشريعة، فالله تبارك وتعالى لم يخلقنا عبثا ولم يتركنا سدى، لا نحاسب ولا نجازي، بل خلقنا لحكمة عظيمة ولغاية نبيلة؛ ألا وهي أن نعبده وحده وألا نشرك به شيئا، فنحن مأمورون بالعبادة ومسؤولون أمام الله عما أنفقنا من أعمارنا، كما أن الله تعالى قد أقسم بالأزمان في العديد من آيات القرآن، والله سبحانه عظيم ولا يقسم إلا بعظيم، فأقسم بالعصر، والضحي، والليل، والنهار، والفجر، إلى غير ذلك مما يدل على عظم شأن الوقت الذي يعيشه الإنسان في هذه الدنيا، فاليوم الذي يذهب لا يعود، وسيحاسب عنه الإنسان، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ولذلك أمر الله بالمسارعة إلى طاعته، واستثمار نعمة الوقت في مرضاته، يقول جل وعلا في كتابه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين} [آل عمران:133]، ويقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [المائدة:48]، وفي موضع آخر: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، وهكذا، من أراد أن يرضى الله عنه فليعجل إلى مرضاته سبحانه، بفعل كل ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، وهذا هو ديدن المؤمن كامل الإيمان.
وللأسف نجد أن كثيرا من الناس تمر به الأيام والشهور لا يتقرب إلا الله تعالى إلا بالفرائض، يحرم نفسه من لذة التقرب إلى الله بالصالحات، يتغافل عن حقيقة أن كل يوم يمر به هو إما شاهد له أو شاهد عليه.
إن الوقت هو مدار الأعمال، فإذا مات المرء انقطع وقته وعمله، والحسن البصري له مقولة تكتب بماء الذهب؛ يقول: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك، فقد ذهب بعضك"، من أجل هذا ينبغي على الإنسان أن يقف مع نفسه وقفة جادة ليسأل؛ ماذا قدم للآخرة؟ ماذا قدم لدينه؟ ماذا قدم لأمته؟ من منا يستثمر وقت قيادته للسيارة مثلا في ذكر الله حتى يصل إلى وجهته؟
من هنا ينبغي أن يجاهد الإنسان نفسه باستثمار وقته في كل ما يقربه إلى ربه تبارك وتعالى، فنحن مساءلون أمام الله عن أوقاتنا، كما أن النجاح في الدنيا مرتبط بحسن إدارة الوقت، قد يكون لدى المرء الكثير من الوقت لكن لا يستطيع أن يديره بالشكل الذي ينفعه ويحقق أهدافه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» [رواه البخاري]، بل أن ضياع الأوقات يورث الندم، مثال على ذلك أن كثير من الناس يندم حين يتقدم به العمر على عدم حفظ القرآن، لأن الحفظ في الصغر أيسر منه عند الكبر، أو بعض الناس حين يصاب بمرض مقعد يندم على ما فرط فيه من وقت أيام صحته وشبابه، وهذا حديث النبي يقول : «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» [سنن الترمذي].
من أجل هذا ينبغي أن يدرك المسلم وقته، وأن يحاسب نفسه على حصيلة يومه منذ أن يصبح وحتى يضع جنبه، ماذا فعل وقدم؟ إن قدم خيرا فليحمد الله ويسأله القبول، وإن قدم غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
ولإدارة الوقت فوائد عدة، يوجزها فضيلة الدكتور فيما يلي: أولها تحقيق رضا الله سبحانه وتعالى، ثانيا: زيادة ثقة المرء بنفسه وبقدرته على إنجاز أكبر قدر من الأعمال الموكلة، ثالثا: كسب محبة الناس، فالشخص المنظم الملتزم دائما ما يكون محل ثقة واحترام ومحبة من الآخرين.
وفي ختام حديثه ينصح فضيلة الشيخ أن يحدد كل فرد مهامه وأهدافه القريبة والبعيدة المدى بشكل دقيق، ويدونها في جدول يومي أو شهري، وألا يسوف أو يؤجل عمل اليوم إلى الغد، وأن يرتب أولوياته، الأهم فالمهم، وأن يحرص على استشارة أصحاب الرأي والخبرة، وأخيرا أن يحسن استغلال أدوات التقنية الحديثة التي أنعم الله بها علينا في عصرنا الحديث، حيث أنها تختصر الكثير من الجهد، وتعين على تنظيم الوقت وادارته على الوجه الأمثل.