لقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، فأنشأ جيلاً فريداً إيمانياً لن يتكرر عبر تاريخ الإنسانية، فمن كان يتخيل أن الأوس والخزرج الذين كانوا يقتتلون لأجل لُعاعة من الدنيا، أن تتحول حياتهم جذرياً، ويصيروا إخوة متحابين متناصرين، هذا هو الجيل الفريد الذي لم يكن ليوجد، لولا أن الله قد أصلح قلوبهم، ونزع الأثَرة من نفوسهم، والأنانية من أفئدتهم.
حول تفاضل الناس بأعمال القلوب، تحدث فضيلة الدكتور عبدالله بن ناصر السلمي، الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية، مؤكدا أن لأعمال القلوب أهمية عند الله أعظم من أعمال الجوارح، فالله حين خلق بني آدم، خلقهم من جسد ومٌضغة، وصفها النبي في الحديث الذي رواه البخاري (إن في الجسد مُضغة، إذا صَلُحَت، صَلُحَ الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) هكذا نحن بحاجة أكيدة إلى النظر في أعمال قلوبنا، التي يرفع الله بها أقواماً ويضع آخرين، وما أحوج الأمة اليوم إلى إصلاح قلوب أبنائها، لتجتمع كلمتهم ويخرجوا من أزماتهم.
يقول الشيخ إن كثير من المسلمين يجاهدون أنفسهم ليصوموا النهار ويقوموا الليل، ويجاهدون أنفسهم إذا خرجوا من صلاة الجمعة ليتصدقوا بفضل أموالهم، ولا شك أن هذا العمل له أجره العظيم، وله فضله الجزيل، وهو من الباقيات الصالحات، }وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا{ [مريم:76] بيد أن ثمة أعمالاً القليل من الناس يجاهدون أنفسهم لعلهم أن يظفروا بدرجتها، ألا وهي أعمال القلوب، إنك لتعجب حينما تجد الإنسان يجاهد نفسه حتى لا يفوته صيام الاثنين والخميس، غير أنه وهو يأخذ لقمته ليفطر بعد أذان المغرب يقول: فلان فعل وفعل، وما علم المسكين أن صيامه مستحب، لكن الغل والبغضاء بإجماع الفقهاء محرمة، وأن ترك المحرم أعظم من اكتساب المستحب.
لا شك أن أفضل العبادة هي ما كان عليه النبي وخواص أصحابه؛ القدر اليسير من العبادات البدنية، ثم الاجتهاد في العبادات القلبية، ولئن وقع من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم اختلاف فإن كل واحد منهم كان ينشُد الحق فقط، لا ينشُد حظاً دنيوياً ولا حطاماً زائلاً، بل يريد الله والدار الآخرة، كانوا يرجون أن يكونوا ممن قال الله فيهم: }وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ{ [الحجر:47]، كم نحن بحاجة إلى ذاك المنهج النبوي الذي علَّمه النبي لأصحابه، حين كان الإيمان والقرآن، وسُنة سيد الأنام – صلى الله عليه وسلم- واقعا مُعاشا في حياتهم.
قارن هذا بما يقع اليوم بين بعض الناس في مسألة خلافية، تجد من الكتابات الشيء الكثير على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما تكلموا في الأشخاص، والنيات، والمناهج، فأضلوا الناس.
يرى الدكتور السلمي أن العبد لو أحسن خلقه، وفتش عن قلبه، وعامل الخلق بمثل ما يحب أن يعاملوه، وجاهد نفسه في تصفية قلبه لفاز ونجح في الدنيا والآخرة ( وإن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم النهار القائم الليل ) رواه أبو داوود، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ويضيف فضيلة الدكتور إننا بحاجة إلى توحيد الصف، واجتماع الكلمة، حتى لا يظفر الأعداء بنا، إن هذا التفرق والتباعد والتمزق بين أهل الإسلام هو الذي زعزع قوة الأمة، وأذهب ريحها، يقول رب العزة }وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{ [الأنفال:46] يرى الشيخ أن الصبر على الخلافات والمنازعات لهو من الأهمية في زماننا بمكان، في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها أمتنا، لأجل هذا كم نحن بحاجة إلى إعادة النظر في خلافاتنا، وتقويم العثرات، والتجاوز عن الأخطاء، وبعث النفوس على المحبة.