19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. عبد العزيز السدحان: الخُلق الحسن عبادة يتعبد المرء بها ربه

07 نوفمبر 2018

الإسلام في جوهره هو دين عمل وسلوك، من حيث أن الجوانب السلوكية والأخلاقية في الدين لها من الأهمية والاعتبار ما ليس لغيرها، ولقد منَّ الله عز وجل على المسلمين بأن جعل لهم نبيا وقدوة، تجسدت فيه مكارم الأخلاق التامة، التي جمعت ميراث الفضائل من جميع الرسل بل وزادت عليه.
   عن أخلاق المسلم في تعاملاته مع الناس تحدث فضيلة الدكتور عبد العزيز بن محمد السدحان، المدرس في المسجد النبوي، مؤكدا أن النفوس النبيلة بحكم الفطرة تهفو وتتوق إلى الأخلاق الكريمة، لذا من أراد التخَلُّق بكريم الأخلاق فلينظر إلى صفوة خلق الله؛ الأنبياء والرسل، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فهم أكمل البشر أخلاقا.
  والنصوص النبوية في شأن الأخلاق كثيرة وعديدة، بل أن بعض أهل العلم قد أفرد مصنفات كاملة في الأخلاق، غير أن أهل الجاهلية - على كفرهم وشركهم - كان لديهم أيضا من الأخلاق والمروءات ما جاء الشرع بإقراره والحث عليه، لأنه في أصل الفطرة طيب، فعلى سبيل المثال كانت مسألة الوفاء بالوعد في الجاهلية على قدر عظيم من الأهمية، وكان يُستقبح من الرجل أن يُخلف وعده، كذلك مسألة حفظ حق الجار، وبالأخص حرمات نساء الجار، أيضا من الفضائل والمروءات التي كانت معروفة عند العرب وحث عليها الإسلام؛ الكرم، وعكسه البخل، وهو خلق ذميم، ذمه الله تبارك وتعالى في القرآن، وكان صفة مستقبحة حتى في الجاهلية، ولعل أشهر مثال على خُلق الكرم هو حاتم الطائي الذي لا يزال يُذكر في الكتب والسِيَر لا بشيء إلا بكرمه.
   ومن أعظم صور الخُلُق في الإسلام؛ الخُلق مع الله، أن يستحي المرء من إتيان المعصية وهو يعلم أن الله جل وعلا يراه، ثم يأتي في المرتبة التالية الخُلق مع الوالدين، أن يحرص الإنسان على برهما ورعايتهما والدعاء لهما، فالدعاء للوالدين من أعظم أعمال البر، ثم يلي ذلك الخُلق مع العلماء وتوقيرهم وحفظ قدرهم، ثم يأتي الخلق في التعامل مع الناس على وجه العموم.
   وهكذا، نجد أن من الناس من إذا غاب عن مجلس افتقده الحاضرون وسألوا عنه، شوقا لصحبته ورؤيته أينما كان، وهناك آخر على العكس من ذلك تماما، إذا غاب، فلسان حال الناس؛ مستريح مستراح منه، وهذا مقياس دقيق لمعرفة تأثير حُسن الخلق على محبة الناس، أحيانا نجد إنسانا لم يكن له حظ من العلم، لكنه قدوة فعلية بأدبه وحسن أخلاقه، يأسر الجالسين، ويؤثر في كل من يتعامل معه، هذه موهبة ربانية، وعطايا إلهية، يتفضل الله بها على من يشاء من عباده.
   من الأخلاق الكريمة كذلك الرفق، نحن في زمان يحتاج الناس فيه إلى الرفق، والرفق يفعل في النفوس ما لا تفعله الشدة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) [رواه مسلم]، من صور الرفق أن يدعو الإنسان إلى الله بتلطف، وأن يكون قدوة في فعله، فلا ريب أن الأصل في الناس الخير، يتقبلون النصح بصدر رحب إذا كان بعبارة لينة وبرفق، لكن الغلظة تورث العناد، والحكيم من يضع الأمر موضعه، يلين وقت اللين، ويحزم وقت الحزم. 
   وعلى هذا يمكن القول أن الخُلق الحسَن عبادة، يتعبد العبد بها ربه، فالخُلق إذا كان سيئا أفسد العمل، وإن كان حسنا رفع العمل.
   من ناحية أخرى، فإن أهل العلم لهم مكانة مرموقة في المجتمع المسلم، فبينما يتفاضل الناس في أنسابهم، وفي أموالهم، وفي مناصبهم ومراكزهم الاجتماعية، إلا أن هناك من يوقره الناس، لا لماله، ولا لجاهه، وإنما فقط لعلمه وحسن خلقه، من أجل هذا ينبغي أن يستشعر أهل العلم مقامهم، وأن يزكوا ما أسبغ الله عليهم من علم بحسن الخلق، وأن يكون صاحب العلم كالغيث أينما حلَّ نفع؛ في المسجد، في العمل، في الحي، في أي مكان يتواجد فيه، إن رأى صوابا شجع عليه، وإن رأى خطئا نَبَّه إليه بحكمة وموعظة حسنة، كما ينبغي على صاحب العلم ألا يغادر مكانا إلا وقد بذر بذرة، أو دل على ثمرة، فرب كلمة عابرة تغيّر حال إنسان، ورب تغريدة أو رسالة قصيرة تُعين على إزاحة جهل أو إضافة علم، فإذا دعا المرء إلى حضور محاضرة، أو دل على موقع أو رابط، كل هذا يدخل في باب إرشاد الناس إلى الخير، واليوم بفضل الله تعالى وسائل التقنية الحديثة قربت البعيد، ويسرت كل عسير.
   من هنا، على كل منا ألا يدخر وسعا في أن يدل على أبواب الخير والنفع أينما كانت، ليس فقط في المناشط الدعوية، وإنما أيضا بين الأهل والجيران وذوي القربى، فهم أولى بالنصح والتوجيه.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت