جدير بالمسلم المستنير بالإيمان واليقين، أن يروض نفسه بالمحاسبة والمراقبة، فإن النفس أمارة بالسوء، متى أهملت زاغت عن الحق، وأودت بصاحبها إلى الشقاء والمهالك، ومتى أخذت بالتوجيه والتهذيب، أشرقت بالفضائل، و سمت بصاحبها نحو آفاق السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
يقول بعض العلماء إنَّ زكاة النفس وطهارتها وفلاحها وسعادتها، موقوفة على محاسبتها على كل خطوة، وعلى كل كلمة أو خطرة، فبمحاسبتها يَطَّلعُ على عيوبها ونقائصها، مما يمكنه من السعي في إصلاحها، فينشغل بذلك عن تتبع عيوب الآخرين، ويعالج ما يمكن أن يَصيب قلبه من غرور وعجب وكبر على المسلمين.
عن التغيير نحو الأفضل ومحاسبة النفس، تحدث فضيلة الدكتور عبد الرؤوف محمد الكمالي، الداعية والأستاذ بكلية التربية الأساسية بجامعة الكويت، أنه ما من إنسان إلا ويعتريه شيء من النقص في عمله، سواء بالتقصير في الواجبات أو السنن، أو باقتراف بعض الأشياء التي تخالف الشرع، فالإنسان جبل على أن يكون ناقصا، لا أحد منا كامل، كلنا خطاء بشكل أو بآخر، لكن العبرة بالسعي نحو التوبة، وتغيير حاله إلى الأفضل، فكل إنسان مطالب بأن يغير من حاله، بأن يتدارك ما وقع فيه من نقص، ويعيد تقييم عمله كل حين، حتى وإن كان لا يرتكب كبائر، إلا إنه ينبغي عليه أن يستزيد من الخير والأعمال الصالحة ليعادل كفة التقصير واللمم الذي يعتري أعماله اليومية.
يري الدكتور كمالي أن مراحل تغيير حال الإنسان ثلاث، هي :
أولا الاعتراف بالتقصير ، ثانيا محاسبة النفس، ثالثا إصلاح الخلل.
بعد أن يعترف المرء بتقصيره، وأنه لا كامل إلا الله وحده، وأنه لا ينبغي للمسلم الحق أن يغتر بعمله، وألا يقع في فخ العجب والفرح، المرحلة التالية هي المراجعة الدائمة؛ لابد وأن يراجع الإنسان نفسه، وهو ما يسمى بمحاسبة النفس، إن النفس التي يحاسبها صاحبها هي نفس لوامة يحبها الله عز وجل، تلك النفس التي تعتاد على المراجعة وإعادة النظر في كل ما بدر من الإنسان من أفعال.
ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة إصلاح الخلل، وهنا ينبغي على المسلم أن يطرح على نفسه سؤالا في غاية الأهمية؛ ما الفرق بيننا وبين صحابة رسول الله؟ ألسنا بشر وهم أيضا؟ صحيح أنهم قد تربوا في مدرسة النبوة، لكن الفارق الجوهري في نظر الشيخ كمالي بيننا وبين الصحابة هو اليقين وقوة الإيمان، هذه النقطة المهمة التي ينبغي ألا تغيب عن حسباتنا، لأن مبعث الأعمال كلها هو اليقين، إذا كان عندك يقين فستكون أعمالك وفق ما يرضي الله سبحانه وتعالي، وإذا ضعف اليقين، ضعفت الأعمال بالتبعية، فيقع الخلل.
ولذلك، لما ذكر الله تعالى قيام الساعة، قال سبحانه {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا } الشورى: 17-18، المؤمن الذي لديه يقين هو الذي يخاف (ويشفق) من يوم القيامة، وقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} المعارج:27، من هؤلاء؟ ليسوا العصاة، بل المصلون الدائمون والمصدقون بيوم الدين، الذين على قدر يقينهم فهم يخافون عذاب ربهم سبحانه وتعالى.
هذا هو الأصل الأصيل - في رأي الدكتور عبد الرؤوف - أن يخاف الإنسان غضب الله عز وجل، سيكون ذلك دافعه نحو التغيير، ونحو الالتزام التام، ومراقبة الله سرا وجهرا.
يقول الشيخ دعنا نتأمل وصف القرآن للمؤمنين {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ } الفتح:29، صيغة المبالغة في الآية تفيد التكرار والاستمرار في الركوع والسجود، فقد كان سيد المرسلين كما لا يخفى علينا يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ويبكي حتى تبتل لحيته ، وهذا نبي الله الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بنا ونحن على هذا التقصير؟
ومثله كان أصحابه الذين تعلموا على يديه، وتأدبوا في مدرسته الشريفة، كان عبد الله بن عمرو يقرأ القرآن كله في ليلة، ثم أراد النبي التخفيف وعن غيره، فجعل ختم القرآن في ثلاثة أيام على أقصى حد ، هكذا كانت الهمة في عهد النبي وأصحابه، هذا اليقين والإيمان في قلوبهم هو ما جعل عباداتهم على هذا النحو.
وعليه ، يري الدكتور كمالي أن من أراد التغيير نحو الأفضل، وينشد السعادة في الدنيا والآخرة فليلزم عبودية الله، فليست المسألة مسألة كلام والانشغال بأمور الدنيا التي لا تنفع، فلا يدري الإنسان عن نفسه إلا عند القبر فيجد ما قدمت يداه، بل العبرة بسرعة تدارك التقصير، وتصحيح المسار، والاستزادة من العمل الصالح بقدر الإمكان، وأن نري الله من أنفسنا خيرا ، يقول الله تعالى ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ التوبة:105.