20 سبتمبر 2024 | 17 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. عبدالله التركي: وحدة الأمة تقتضي الاجتماع على أصول الإسلام وأركان الإيمان وقواعد الشريعة

16 مارس 2014

** الأمة بحاجة إلى التقارب والتآلف والتركيز على العناصر الجامعة وما أكثرها لإعادة بناء نفسها وإصلاح أوضاعها

** الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة أقاموا عمود الإسلام فبذلوا المهج والاموال في اعزازه ونشره في أقطار الارض

** مسؤولية أهل الحكمة والنظرة العاقلة الواعية أن ينبهوا أنظار الناس إلى ما تواجهه أمتنا من ظروف عصبية

** علينا أن نتخذ من سير الصحابة الزكية ومآثرهم الجليلة إماما يقتدى ومثالا يحتذى

نهى الإسلام عن التنازع والفُرقة بين المسلمين "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (سورة الأنفال/ 46)، لما يترتب على ذلك من الفشل والضعف وذهاب الريح، وحض على التآلف والاجتماع " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" (سورة الشورى/ 13 )، لما في ذلك من جمع الكلمة ووحدة الصف.

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي من العلماء الذين انشغلوا بهموم الأمة وقضاياها وحذروا من النزاعات الطائفية والحزبية وطرحوا رؤيتهم في هذه المسألة، دعا فيها إلى التضامن الإسلامي والاجتماع على أصول الإسلام وأركان الإيمان، وقواعد الشريعة، حتى تتهيأ الأجواء لإقامة تعاون في مختلف المجالات، ويظهر المسلمون في أعين غيرهم بمظهر حسن، يساعدهم على أداء رسالتهم بطريقة حضارية تجيد التعامل مع معطيات العصر ووسائله وقضاياه، مشددا على أن الطائفية لا تنتشر إلا في حال ضعف المسلمين وبعدهم عن دينهم الصحيح الذي كان عليه صحابة نبيهم صل الله عليه وسلم والصالحون ممن تبعهم بإحسان .

وفي مقاربة لاستلهام الدروس من خبرة الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين أقام الله بهم عمود الإسلام، فبذلوا المهج ونفائس الاموال في اعزازه ونشره في أقطار الارض، يرى د. التركي أن الأمة في الوقت الراهن أحوج من أي وقت مضى إلى التقارب والتآلف والتركيز على العناصر الجامعة وما أكثرها لإعادة بناء نفسها وإصلاح أوضاعها وإبعاد أطماع أعدائها عن التدخل في شؤونها والإيقاع بين أبنائها، ولو وقفت الأمة موقفاً سلبياً من سلفها يغمطهم حقهم، وينكر جهودهم العظيمة في نصرة الإسلام، لفقدت قيمتها وأعانت على تمزيق نفسها ودينها وحضارتها بإعطاء حجة لأعدائها أن يدعوا أن الإسلام أخفق في أوائل أمره، وعجز عن تربية أقرب أجياله بأصوله ورسوله.

وأوضح د. التركي الذي شارك في مؤتمر" السابقون الأولون ومكانتهم لدى المسلمين" الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالتعاون مع مبرة الآل والاصحاب أنه من الوفاء لرعيل الأمة الأول وسلفها الصالح، ومن الاعتراف لهم بالفضل والمزية في استنفاد الجهود في إقامة الدين في الأمة، وحفظ وحدتها من عاديات الداخل والخارج, أن يعقد هذا المؤتمر الدال على ذلك الفضل الذي ميزهم الله به، وتلك المزية التي خصهم بها من دون سائر أجيال الأمة إلى يوم القيامة "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة/ 100)، معبرا عن خالص شكره وتقديره للكويت – أميرا وحكومة وشعبا- لدورها في خدمة الإسلام والمسلمين.

وفي قراءة منصفة لعهد الخلفاء الراشدين وما فضلوا به من خصائص سمت بهم ليكونوا أحق بالخلافة وأهلها يقول د. التركي إن نظرة منصفة بريئة من الدخائل إلى سيرة الصحابة رضي الله عنهم، سواء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بعده تكشف بجلاء أنهم تصرفوا في الخلافة من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم تصرف من استنفد الوسع في العمل بما في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن الظن بهم أن يكونوا تواطؤوا على إخفاء شئ مما عهد به إليهم يتنافى تماما مع ماتظاهرت عليه حالهم من استعلام بعضهم بعضا عن أقضيته عليه الصلاة والسلام، في أمور هي أقل شأنا بكثير من قضية الاستخلاف فإذا وجدوا شيئا قضوا به وإلا اجتهدوا رأيهم.

لقد تولى الخلفاء الراشدون أمر الأمة بالطريقة الصحيحة- كما يقول د. التركي- التي استنفدوا ما عندهم فيها من الاجتهاد وحسن النظر، هم ومن ولاهم وارتضاهم من السواد الأعظم من الأمة، كما يشهد بذلك حالهم رضوان الله عليهم، من شدة التقوى الباعثة لهم على بلوغ الغاية في النصح لله ورسوله والمسلمين، الحاجزة لهم عن أن يفرطوا في بعض ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم به إليهم، لاسيما اذا تعلق الأمر فيه بأهل بيته الذين لم يكن أهل بيت أحب إليهم أن يصلوهم ويحسنوا إليهم، من أهل بيته الطيبين الطاهرين، كما قال أبوبكر لعلي رضوان الله عليهما فيما رواه البخاري ومسلم: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي".

وعن أبرز سمات عصر الخلافة الراشدة أكد د. التركي أن النظر العادل المنصف إلى هذا العصر يبرزه بأنه أزكى العصور في تاريخ الإسلام بعد عصر النبوة، حيث تولى أمر المسلمين خيرة الصحابة من أولى النبل والعقل والسابقة إلى الإسلام والهجرة، وشهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توفى وهو عنهم راض، وبشرهم بالجنة، يؤازرهم من ورائهم سائر الصحابة، وفي مقدمتهم آل البيت والقرابة الذين رفع الله على كاهلهم عمود الإسلام، فجمعوا القرآن في المصحف، وحفظوا السنة في صدورهم، ورووها التابعين، وقاتلوا المرتدين من قبائل العرب حتى فاءوا إلى حظيرة الإسلام وفتحوا البلدان ومصروا الأمصار، ودونوا الدواوين وأنفذوا الأحكام وأقاموا العدل بين الانان، وساسوا الأمة بغاية وسعهم في النصح لها، وحملها على منهاج نبيها، وكانوا أئمة في التقوى والعبادة والزهد في الدنيا وحطامها الغرور والرغبة في ما عند الله.

وطالب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الأمة الإسلامية أن تعرف للصحابة بعامة، وللخلفاء الراشدين بخاصة، فضلهم في إقامة الدين ونشر رسالة الإسلام في العالمين في ظل السياسة النبوية ثم الراشدية وأن تتخذ من سيرهم الزكية ومآثرهم الجليلة إماما يقتدى ومثالا يحتذى، لافتا إلى ان بيت النبي عليه الصلاة والسلام بأزواجه وقرابته الذين آمنوا به واتبعوه كانوا من أشد ذلك الجيل الفريد ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المنشط والمكره والعسر واليسر والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه وكانوا عضا يسند الخلفاء الراشدين بالرأى والمشورة والقضاء، وكانوا أبعد الناس عن الأهواء والأغراض الشخصية، ومن أجل ذلك كان حقا علينا معشر المسلمين أن ننظر إلى الآل والقرابة وسائر الصحابة بعين التقدير وأن نسوي بينهم في فضيلة الصحبة والسابقة وحسن البلاء ونتخذهم أسوة لنا في الدين، ونعدل بينهم في المحبة عدلا لا افراط فيه ولا تفريط، وأن لانستجيز أن نذكرهم إلا بأحسن الذكر، وهم أحق الناس أن نلتمس لهم فيما شجر بينهم أحسن المخارج ونذب عن سيرهم الأخيار التي كشف التمحيص دخيلتها الزائفة المغرضة.

وخلاصة القول – كما يرى د. التركي- إن هذا الاحترام الشامل للسلف يعين على جمع أمر الأمة ، وصلاح حالها ويوفر عليها ألفتها ان تتبدد في الشقاق :" ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﻹﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮﻧﺎ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﻓﻲﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻏﻼً ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺃﻣﻨﻮﺍ،ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻧﻚ ﺭﺅﻑ ﺭﺣﻴﻢ"(الحشر /10)، وإن الأمل منعقد على ذوي الحكمة والنظرة العاقلة الواعية، من مختلف فئات المسلمين على مستوى القادة والشعوب أن ينبهوا أنظار الناس إلى ما تواجهه أمتنا من ظروف عصبية وضرورة العمل على نشر ثقافة الوئام، والتحذير من أضرار العداء الطائفي.

والله نسأل أن يجمع كلمة المسلمين على اتباع كتابه المبين وهدي نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن يوحد صفوفهم، وأن يؤلف بين قلوبهم وان يجنب أمتنا الفتن ماظهر منها وما بطن، وخالص الشكر والتقدير للعالم الكبيرالأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت