19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. زيد الكيلاني: الهجرة النبوية هي نقطة التحول من مرحلة الدعوة إلى تأسيس الدولة

09 سبتمبر 2018

في مستهل كل عام هجري تعود بنا الذكرى إلى حدث عظيم من أحداث تاريخ الإسلام؛ وهو حدث هجرة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من مكة إلى المدينة، فتشرق شمس الأمل من جديد في النفوس، وتتوالى في الأذهان صور الكفاح في سبيل نصرة الحق، فكل خير أصابه المسلمون، وكل رفعة وتمكين ظفرت بهما الأمة منذ أن هاجرت رسالة التوحيد إلى يثرب، إنما كان ذلك ثمرة طيبة من ثمار تلك الهجرة المباركة.
   حول الذكرى العطرة لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم تحدث فضيلة الدكتور زيد إبراهيم عبد الحليم الكيلاني، الداعية والقاضي الشرعي بالمملكة الأردنية الهاشمية، مؤكدا أن الهجرة هي الحدث الأبرز الذي أرَّخ وأسّس لمولد دولة الإسلام، فبعد ثلاثة عشر عاما من الدعوة، عانى فيها المسلمون في المجتمع المكي من صنوف شتى من الاضطهاد والعنت والإيذاء، كان لا بد لهم أن يُغيِّروا تلك البيئة التي تحارب دعوتهم، وتحاول قتلها في مهدها.
   والبداية كانت حين استعصت مكة على الدعوة الإسلامية، وغَدَت أرضا جدباء، طلب الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم النُّصرة خارجها، فولَّى وجهه الكريم تلقاءَ مدينة الطائف، لكن ثقيفا أساءت استقباله، وأخرجته إخراجا لا يليق، فاختار له ربه عز وجل بُعيد سنوات قليلة مكانا أكثر ملاءمة كي يحتضن الرسالة ونبيها وأبناءها، هو يثرب.
   على الجانب الآخر وجد أهل يثرب أن هذا الدين يحقق النجاة لمجتمعهم، بعد أن أرهقتهم الصراعات والحروب الأهلية عقودا طويلة، هذا التوافق جعل فكرة نقل الدعوة وأهلها إلى هناك أمرا يحقق مصلحة مشتركة، فضلا عن كونه مرحلة مفصلية في تاريخ تأسيس دولة الإسلام، وتمكين دين الله وأحكام الله، من هنا يمكننا أن نقول أن الهجرة تعتبر هي نقطة التحول، ومرحلة تحويل الدعوة إلى دولة.
   وبدأت الرحلة، وأخذ رسول الله بكل الأسباب الممكنة؛ كان من المفترض أن يتجه شمالا باتجاه يثرب، ولأنه كان على يقين من أن كفار مكة سوف يرسلون من يتعقب أثره، فتحرك هو وصاحبه الصدِّيق جنوبا باتجاه غار ثور ليمكثا فيه ثلاثة أيام حتى تفتر شدة الملاحقة، قبل هذا كان قد اتفق مع من ينقل له أخبار مكة طيلة مكوثه في الغار، واتفق كذلك مع دليل يأتيه بعد ثلاثة أيام يدله الطريق إلى المدينة، وآخر يرعى قطيعا من الأغنام خلفهما حتى يطمس آثار حركته هو وأبي بكر، لكن برغم كل هذه التدابير وصل رؤوس الكفر إلى الغار، فخشى الصدِّيق الشفيق على سلامة النبي وقال له: "يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا"، وهنا يظهر اليقين في نصر الله تعالى جليا، اليقين في أن الله سيجعل من بعد كل عسر يسرا، فيطمئنه النبي بقوله: "ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟"، وينزل قول الله سبحانه لنا ليظل درسا باقيا إلى يوم القيامة يعلم الأمة كلها أن بعد كل ضيق فرجا: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٤٠].
   ويكمل النبي وصاحبه الرحلة إلى منتهاها، ويخرج أهل المدينة عن بكرة أبيهم ليستقبلوا النبي أحسن استقبال، ويبدأ فصل جديد من تاريخ الإسلام، مليء بصور المؤاخاة، والكرم، والمؤازرة، والإخلاص.
 ثم بعد ثماني سنوات يعود النبي إلى مكة فاتحا منتصرا، ليقف عند باب الكعبة ويعلن عفوه عن أهلها الذين آذوه وأخرجوه : "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، بعد أن صدق الله وعده ونصر عبده، وصار للمسلمين وطن ودولة وكيان.
    تلك كانت باختصار قصة الهجرة الشريفة، وأنوارها، ومعانيها، ودروسها التي تبعث على الأمل والتفاؤل، وتعلِّم المسلم أن يتطلع إلى القادم الأفضل، وألا يستسلم إلى اليأس، وأن ينتظر بعد الضيق فرجا، ويتأكد أن تحقق المقاصد والأحلام سيأتي حتما بعد زوال الآلام، المسألة محسومة بأمر الله، فنحن على موعد مع النصر مهما بلغت الشدائد والمحن، هذا وعد الله سبحانه، نسأل الله جل وعلا أن نكون ممن تجلى عليهم بعزه ونصره وتمكينه.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت