إن التماس كل سبيل يؤلف بين قلوب المسلمين من الأمور الواجبة التي لا غنى عنها لحماية لُحمة الأمة من التفرق والانقسام، وخاصة في زمننا هذا الذي توالت فيه الفتن، وتفاقمت فيه الإحن، وانتكس فيه خلق كثير عن دين الله وشريعته، كما أن الرفق في دعوة غير المسلمين من الضرورات الشرعية، لأنه يؤدي إلى توثيق العلاقة بين الداعية والمدعوين، ولأن نفوس الناس لا تُساس إلا بالرفق والتلطف، ولنا في رسول الله القدوة والأسوة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم الجاهل، ويترفق بالمخطئ، ويقابل الإساءة بالإحسان وحسن الخلق.
حول أثر اللين والرفق في تأليف القلوب تحدث فضيلة الدكتور بسام الشطي، الأستاذ بقسم العقيدة والدعوة – جامعة الكويت، مؤكدا أن حُسن الدعوة هو باب القبول، فلا شك أن الإسلام الحنيف دين عالمي، يتطلب منا أن نطرق أفئدة الأقوام حتى نستميلهم نحو طريق الله تبارك وتعالى، فمثلا لو أن إنسان لديه تجارة سنجده يبذل قصارى جهده ليكسب الناس ويسوق لهم بضاعته، ونحن أمة الإسلام لدينا أعظم بضاعة، وأثمن تجارة، يقول عنها رب العزة: {تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر:29]، هذه التجارة تتطلب أن نتولى نحن الدعاية لهذا الدين العظيم، فالبضاعة ثمينة وأصيلة، والله جل وعلا تكفل بنشرها، لكننا نحتاج إلى من يسوق لها بشكل صحيح، فكيف نصل إلى المدعوين ونؤثر فيهم؟
أولا: البشاشة والترحيب من أكثر الأمور التي تقرب الأفئدة، وتكسر الحواجز، وتجعل الناس تستبشر بك خيرا وتقبل منك هذه الدعوة المباركة إذا أنت أحسنت اللقاء بهم.
الأمر الثاني هو التهادي وتأليف القلوب بالعطايا المادية والعينية، والنبي في الأثر يقول: "تهادوا تحابوا"، فالهدية مهما كانت قليلة أو رمزية، إلا أنها تكون عزيزة على النفس وذات معنى وقيمة، وتفتح بابا لتأليف القلوب، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتاد أن يهادي صحابته بالأطعمة أو الألبسة أو بعض الأقضية.
من الأمور كذلك التي يتودد فيها الإنسان لأخيه: الدعاء، لأنه يفرح ويسعد الناس، ويقرب جسور المحبة بينهم، كذلك المدح والثناء، فقد جبل الإنسان على حب الثناء والإطراء.
رابعا: مشاركة الآخرين في أفراحهم وأتراحهم، والمعاملة الطيبة والرفق، كل هذا له أكبر الأثر في تأليف القلوب، وربما كان سببا في دخول الناس في دين الله تعالى، ومن ذلك ما جاء في الأثر من قصة جار النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يؤذيه ويلقي القاذورات على بابه، فلما غاب أياما تفقده النبي وزاره في بيته لما علم بمرضه، مما كان له بالغ الأثر فيما بعد حين دخل ذلك الجار في الإسلام بعدما رأى خلق النبي، ومقابلته للإساءة بالإحسان.
أيضا مشاركة الناس في أتراحها وأحزانها مهم جدا؛ لا شك أن تلك المواساة والمشاعر الطيبة تؤثر إيجابا في النفوس، والحقيقة أننا اليوم في مجال الدعوة كثيرا ما ننسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدعو أحدا إلى دين الله قبل أن يبدأ بدعاء الله تبارك وتعالى ويقول: "اللهم اهدني وسددني"، ولا ندرك أثر هذا الدعاء في قبول الناس ونجاح مساعينا في الدعوة إلى دين الله.
خامسا: المشي في حاجة الناس، كان هذا دأب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ما كان يأتيه سائل إلا ويقف لمساعدته، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" متفق عليه.
سادسا: الدفاع عن الناس وابداء النصح والعون عند الحاجة، وهذا يظهر بشدة مع السجناء، عندما يذهب لهم الدعاة يستغرب المحكومون من هذه المبادرة، وبالفعل هذه المبادرات يكون لها أثر طيب في توبة المذنبين والعصاة وعودتهم إلى جادة الصواب، وابتعادهم عن هوى النفس ورفقة السوء، ومن ثم حين يخرج هؤلاء من السجن، لا ينسون هذا العمل الطيب، ويستشعرون الألفة والمحبة تجاه من وقفوا بجانبهم حتى عادوا إلى طريق الحق.
إن أخيك الذي ضعفت نفسه وانزلق إلى المحرمات، حين يراك وأنت تدافع عنه، ولا تتخلى عنه في الأزمات، وحين يجدك تفتح له آفاق التوبة إلى الله عز وجل، ولا تتعالى عليه ولا تحتقره بسبب ذنوبه، كل ذلك له أكبر الأثر في ترقيق قلبه، وفي أن يهتدي ويستقيم.
تلك بعض الإضاءات السريعة على قضية تأليف القلوب، عسى أن يتأمل كل منا تأثيرها، وأن نستقرئ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته في تأليف قلوب الناس ودعوتهم إلى دين الله بحسن أخلاقه ولطف معاملته.