19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.محمد الشطي: الحركة الإيجابية هي جوهر الدور الاجتماعي للداعية المسلم

15 نوفمبر 2015

الإيجابية هي حالةٌ نفسية تجعل صاحبها مهمومًا بأمر ما، لا يألو جهدًا في العمل له والسعي من أجله، والإيجابية في الإسلام في جوهرها هي روح المسارعة في الخيرات التي تدبُّ في المجتمع فتجعله مجتمعًا نابضًا بالحياة، والمسلم الإيجابي هو ذلك الفرد المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه، والساعي نحو تغيير كل ما حوله إلى الأفضل والأكثر ملائمة لمراد الله في الأرض.

حول سمات ومظاهر السلوك الإيجابي في المجتمع المسلم، يقول الدكتور محمد الشطي – الداعية والأستاذ المشارك بكلية التربية الأساسية بجامعة الكويت – أن الداعية إلى الله ينبغي أن يتحرك في كل مكان، ولا يدخر وُسعا في العمل في شتى مجالات الدعوة، ويسعى ليجذب الآخرين حوله للمشاركة في كل نشاط ينفع المسلمين، مؤكدا أن هناك فرقا هائلا مابين المؤمن المنعزل الذي يكتفي بأن يخلو بنفسه منشغلا بالذكر والتعبد متصورا أنه ينجو بنفسه ويعتزل فتن الدنيا، وبين ذلك الذي يتحرك بين الناس ويجوب الآفاق ليدعو إلى سبيل ربه بشتى الوسائل والأدوات لخدمة الإسلام والمسلمين.

وهنا يتساءل فضيلة الدكتور؛ كم لدينا من المداومين على المشاركة في الديوانيات؟ أو المشاركين بانتظام في حلقات القرآن بالمساجد؟ هل نحن سلبيون في حضورنا للدروس والمحاضرات؟ ما مدى تفاعلنا مع المجتمع الدعوي في العصر الحديث؟

يري الشيخ أن الحركة ودعوة الناس للخير هما جوهر الرسالة المطلوبة من الداعية، وهو الدور الاجتماعي الرئيسي الذي ينبغي أن يحافظ عليه بجانب العبادات والطاعات. يقول المولى جل وعلا }وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{ فصلت:33.


إن الله عز وجل قد ذكر نماذج قرآنية يمكننا إسقاطها على حياتنا المعاصرة، منها نموذج مريم في القرآن، التي كانت متعبة ومثقلة وفقيرة، يقول الله لها }وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا{ مريم:25، فقد أمرها الله بالحركة وبذل الجهد أولا، ثم أذن الله بالبركة فتساقط الرزق من بعد ذلك الجهد الضئيل، بالمثل في حياتنا اليومية، نجد أن الصدقة البسيطة التي يدفعها المسلم لا تدري كيف يربيها المولى عز وجل لتكون سببا في الخير الكثير، وهنا يذكر د.الشطي أنه كان في زيارة للولايات المتحدة العام الماضي، وقابل أحد المصريين يقول عنه الناس أنه أسس أحد عشر مركزا إسلاميا في ولاية فلوريدا، فسأله الشيخ من أين لك بالتمويل لهذه المراكز؟ فقال: فقط من تبرعات صندوق بلاستيكي يمر بين الحاضرين بعد كل صلاة، كل مُصلِ كان يجود بما يقدر عليه، من يضع عشرين دولار ومن يضع مئة، وهكذا حتى مَنَّ الله عليه بإنشاء وإدارة هذه المراكز الأحد عشر التي تخدم الجاليات المسلمة هناك، وكانت سببا في دخول العديد من الناس في دين الإسلام في تلك الولاية، هكذا هي الحركة والإيجابية التي يحبها الله ورسوله.

يقول الدكتور: أن الله يبارك في الدينار الذي تنفقه في سبيل الله، لك أن تتخيل كم يدفع هذا الدينار من بلاء عنك وعن غيرك؟ كم يقضي من دَيْن؟ كم يسُد من حاجة؟ وأنت لا تدري، أنت وضعته في الصندوق ومضيت، إن الله سبحانه يحفظ بلادنا ببركة هذه الصدقات الصغيرة التي تٌلقى في جوف صناديق مساجدنا هنا وهناك.

مثال آخر على الإيجابية من القصص القرآني العظيم؛ عندما قال النبي يعقوب } يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ { يوسف:87، فلولا هذه الروح التي كانت لدى يعقوب لما ظل يبحث عن ولديه أربعين سنة بلا كَلَلِ ولا يأس، هذه هي قوة التوكل على الله تبارك وتعالى، وهذه هي القيم الإيجابية التي لابد وأن نعيد ترسيخها في وعي شبابنا مرة ثانية؛ حسن الظن بالله والتوكل وبَذل السبب، فلو أن كل واحد منا يقدم ولو خمسة بالمائة من طاقته لخدمة الإسلام لاختلف حالنا مئة بالمائة، إن أبسط المساهمات التي قد لا تلق لها بالا قد تساعد أخيك المسلم في حياته، كلمة طيبة، أو إعادة نشر تغريده، أو إرسال رسالة نُصح، قد تقي شخصا من الزلل، أو تنقذ أسرة من الانهيار، أو تعصم شابا من الوقوع في معصية، كم من خطبة جمعة تكون سببا في تعديل قيم بعض الناس؟ وتعيد الالتزام بما غُفل عنه من عبادات؟ لذلك ينبغي على كل داعية أن يحسب ألف حساب للكلمة التي ينطقها أو يكتبها على مواقع التواصل، فربما يطالعها الملايين من الناس وتكون سببا إما في هدايتهم أو في فتنتهم.

ويعود فضيلة الدكتور ليتساءل، أنت ما هو هدفك في الحياة؟ أليس الإصلاح في الأرض؟ إذن توكل على الله و اسع نحو الإصلاح، فربما ييسر لك الله من يساعدك ويكمل جهودك، فالعمل الخيري مستمر إلى أن يشاء الله، فإذا كنت أنت ميسور الحال فربما غيرك غارق في الديون، تحرك بإيجابية واستغل مواقع التواصل في عمل شبكة علاقات، تتقصى عن أولئك المُعسرين، وتوصل المساعدات لمستحقيها، أو تسعى للصلح بين المتخاصمين، وتتدخل بالكلمة الطيبة لإزالة مسببات التشاحن بين الناس، فهذا النوع من التواصل في الفضاء الإلكتروني أفضل عند الله من الجهد الفارغ والكلام فيما ليس من ورائه منفعة {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} النساء:114

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت