19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.عمر عبد الكافي: إننا بالفطرة نحب الأسخياء الكرماء، فلنكن منهم، فإن المرء يحشر مع من أحب

17 يناير 2016

إن حب الخير من القيم العليا التي تحرص عليها كل أمة راشدة، وكل ديانة سماوية، أن يعرف الناس الحق ويعتنقوه، وأن يحبوا الخير ويفعلوه، كما أن المعرفة والاعتقاد باليوم الآخر هو أقوى باعث يدفع البشر لفعل الخير والسعي فيه، وقد عزز الإسلام كل عمل يقصد به تقديم النفع إلى عموم الناس باعتباره من مقاصد الشريعة الإسلامية، والقرآن الكريم يزخر بالآيات التي تحث على فعل الخير، وتبين فضله، وما يترتب عليه من الأجر العظيم والثواب الجزيل في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

عن فضيلة العطاء والبذل، تحدث الدكتور عمر عبد الكافي، الداعية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، موضحا أن ثقافة العطاء ينبغي أن تتأصل في مجتمعاتنا المسلمة، وأن يستشعر الإنسان قيمة الإنفاق كجزء من نشاطاته اليومية،  وقيمة السعي في تفريج كربات الناس كهدف ومنهج عمل في حياته، بل ربما يصل حب الخير فيما بيننا لأن تصبح فرحة المعطي أكبر من فرحة الآخذ، حين يدرك كل منا أنه بهذا البذل وهذا الكرم يتمثل بصفات الله الكريم عز وجل، الذي لا تنفد خزائنه.

ويؤكد الشيخ أننا ينبغي أن ندرك أن هذا المال الذي نعطيه، وهذا السعي في طريق الخير الذي نبذل الجهد فيه،  هو في حقيقته الرصيد المدخر الذي يبقى لنا في الآخرة، كما ينبغي أن نعلم أن الدنيا لا تثبت على حال، فغني الأمس ربما هو فقير الغد، وصحيح الأمس ربما أصبح مريض اليوم، ورزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا تمنعه عنك كراهة كاره، ففي السماء رزقنا، وليس في البنك المركزي، ولا في الإدارة المالية للمؤسسة. {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} الذاريات :22، ولهذا، بدلا من يحسد المرء هذا الثري، أو ذاك الذي يشار إليه بالبنان، أو ذلك الذي له مركز اجتماعي مرموق، حري به بدلا من ذلك أن يسأل الله من فضله، فالمعطي هو الله، فهل نفدت خزائن الله أن أعطى هذا ولن يعطي ذاك؟  {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الزخرف:43.

  من ناحية أخرى، يؤمن الدكتور عبد الكافي أن السعداء الذين رزقوا السكينة والطمأنينة في الدنيا، هم أولئك الذين استشعروا قيمة الفريضة الغائبة؛ فريضة إدخال السرور على الناس، فمن كرم الله ورحمته أن يحبب للإنسان فعل الخير، وصنائع المعروف، ويرزقه بمن يعينه على هذا الخير، فذلك أيضا من الرزق، أن يسخر لك أناسا يمشون في قضاء حوائج الناس، يوصلون صدقاتك إلى مصارفها، كأن تنوي مثلا أن تكفل يتيما في بلد فقير أو منكوب لا يمكنك السفر إليه، فيهيئ الله لك التواصل مع جمعيات ومؤسسات تعمل في مجال الإغاثة أو العمل الخيري تتولى مهمة إيصال صدقاتك إلى مستحقيها.

  ويرى الشيخ أن تكافل الناس وتواصلهم فضيلة، وسنة طيبة يجب أن تسود عالمنا المعاصر، المثخن بالجراح والنكبات والظروف القاسية، يجب أن نحرص على ألا يكون التكافل بين المسلمين بالصدقات والتبرعات فقط، وإنما بالتعاطف والتراحم أيضا، فلا ينبغي أن نترك طفلا مات أبوه أو فقد عائله ليعيش شريدا، نهبا للحزن واليتم، فكل منا يجزع لو أصاب ولده مكروه، فلنتذكر أولاد المسلمين المستضعفين في كل مكان، ونخفف عنهم مصابهم قدر ما استطعنا، فالله جل وعلا يقول: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} النساء:9، كما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أنا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا " [رواه أحمد والترمذي]، فهؤلاء الصغار الذين غاب ذووهم تحت أطباق الثرى، ليس لهم بعد رحمة الله إلا قلوب المؤمنين العامرة بحب الخير، ولا شك أننا بالفطرة نحب الأسخياء المعطين، ونأتنس بهم، إذا، فلنكن منهم، فالمسلم إما أن يكون فاعلا للخير، أو معينا عليه، أو أن يشكر العاملين به والساعين فيه، أو أضعف الأمور أن يحبهم، فالمرء يحشر مع من أحب.

  وفي النهاية ينصح الشيخ الناس أن يتركوا وصايا مكتوبة، تنص على ألا يقطع ورثتهم ما داوموا عليه من كفالات وتبرعات بعد مماتهم، فهي بمثابة نهر جار من الحسنات، وزاد يسبقنا إلى الآخرة، فمن كرم الله علينا وفضله، أن هذا النوع من الصدقات يجري لنا بعد أن نموت، لن ينقطع سيله ولا أجره إلى ما شاء الله.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت