19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.عبد المحسن الزكري: على كل منا أن يتبوأ مكانته التي يرتضيها؛ إما عالم أو متعلم أو تابع للعلماء

30 أكتوبر 2017

لقد استخلف الله تبارك وتعالى الإنسان في الأرض ليعمرها، ولم يكن لينجح في إعمارها دون تحصيل ما يحتاجه من علوم مدنية وشرعية لتسيير شؤون الحياة، ونحن في واقعنا المعاصر إذا أردنا قراءة واقع الإسلام وقياس مدى انتشاره وامتداده، فإننا نقيسه بتأثير علمائه وفضلائه على عموم المسلمين، فهذا مؤشر لا يمكن إغفاله، وكما قيل: العلماء هم رؤوس الناس، وما من مدينة في شرق الأرض وغربها إلا وأوتيت من فضل أهل العلم الكثير.
حول دور العلماء في قضايا الأمة المعاصرة تحدث فضيلة الدكتور عبد المحسن بن عبدالله الزكري، أستاذ الفقه والتشريع الجنائي بجامعة الإمام بالمملكة العربية السعودية، مستهلا حديثه بأن خيار هذه الأمة علماؤها، عُرفوا على طول تاريخهم بالبر والخير، والتاريخ الإسلامي مليء بالصور المشرقة لهؤلاء العلماء الذين بذلوا أعمارهم وأموالهم في سبيل عز هذه الأمة ونصرتها، ليقيموا دين الله سبحانه، وليكونوا سببا في ألفة الناس وجمع كلمتهم، ولهم في كل أرض فضل وأثر، لا يضرنا من ضل منهم أو زل، ففي كل فئة من يدعي وسامها وهو ليس منها، والناس شهود الله في أرضه.
ويضيف فضيلة الدكتور أن ديننا الحنيف دين علم، أمرنا الله بطلبه وجعل للعلماء ميزة على غيرهم، فالعلم له شرفه وعليه مسؤولياته، يقول ربنا في محكم كتابه : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة:11، وربنا سبحانه وتعالى جعلنا عدولاً لنكون شهداء على الناس، فهذا واجب الأمة أن تنهض للقيام بدين الله جل وعلا، وأن تسد ثلمة تقع لهذا، أو مصيبة تقع لذاك، وواجب العلماء أن يبادروا وأن يلموا شعث الناس وأن يوجهوا الجميع لما فيه الخير والنفع.
من أجل هذا يرى فضيلة الشيخ أن هناك من يرتكب خطأ جسيما؛ حين يقحم نفسه في علم لم يحسنه أو لم يصل فيه إلى القدر الذي يؤهله للحديث إلى العامة، فمن فرائض الكفاية أن يتصدى لنيل علوم الشريعة من يكن مؤهلا لذلك، وإنا كنا لا ننكر أن العلماء بشر، يتفاوتون في قدر العلم الذي حصلوه، وفي نوع العلم الذي أحسنوه، ولدى كل منهم صفاته البشرية، التي تختلف من شخص لآخر، فمنهم سابق بالخيرات ومنهم مقتصد، ومنهم ظالم لنفسه، وحسابهم جميعا عند الله سبحانه، إلا أنه ينبغي في هذا الزمن المليء بالفتن والملمات ألا يدلي علماء الدين في القضايا العامة برأي شخصي أبداً، بل الأدعى والأحوط أن يتكلموا بما يجمع عليه أهل العلم والاختصاص، وأن يتسربلوا بثوب الحلم والحكمة، وهذا يقتضي منهم بالضرورة أن يتحروا مقاصد الشريعة وفقا لمقتضيات الممكن والمتاح، فالعالم من حولنا محكوم بأنظمة، ومكبل باتفاقيات وإجراءات، هذا فضلا عن أن الانفعال والتعجل لا يحل القضايا الإنسانية الكبيرة التي لها طابع دولي، كالتهجير والاضطهاد، وأضرار التحرك غير الراشد أكثر من مكاسبه، بل إن التعامل الواعي والمتعقل هو الذي يساعد بحول الله في تحجيم الأضرار ومعاونة ولاة الأمر في تطوير آليات فعالة لحل الأزمات، ودفع الضرر عن المسلمين.
ويتابع الشيخ عبد المحسن: لاشك أن النفوس تمتلئ بالألم لما تراه من أحوال بعض المسلمين اليوم، وخاصة أن الإعلام غالبا ما يركز على الجراح، أكثر مما يذكر قصص النجاح وما يتحقق من خير للأمة، إلا أنه برغم بعض المآسي ذات الطابع السياسي والعرقي، فإن أحوال المسلمين كمؤشر عام لاتزال بخير، فهذا الدين منصور بأمر الله، والعلماء بفضل الله دورهم مستمر، وفريضتهم قائمة، وأكثرهم يؤدي رسالته تجاه الناس على أفضل ما يكون، ونحن بحمد الله في عصر تصل فيه المعلومة لكل مكان عبر وسائل التواصل الحديثة، والجامعات الإسلامية مفتوحة وترحب بكل طالب علم من شتى أصقاع الأرض، والإذاعات والقنوات الإسلامية بالمئات، ونجد في الأرض مراغماً كثير وسعة.
أما من ينتقدون العلماء، يقول لهم الشيخ: « ما دمت ترى أن بعض العلماء مقصرين، وجب عليك أن تقدم بعض أبنائك في طريق طلب العلوم الشرعية، حتى يسد فرض الكفاية، ويجب عليك المساهمة في صناعة علماء جدد، فهناك من البلدان الفقيرة من ينتدبون شبابا لدراسة العلوم الشرعية، ويتعهدون كلفة تعليمهم على حساب القرية كلها، حتى يعود الطالب ويعلم أهل بلدته، كي يصلح لهم دينهم، فتصلح بالتبعية دنياهم، أما أن تكتفي باللوم والاتهام بالتقصير فهذا لايجوز بأي حال».
ويختتم الدكتور عبد المحسن بأن على العلماء أن يستكملوا دورهم الإغاثي والإصلاحي ما أمكنهم، حتى يتم الله نوره، وعلى كل منا أن يتبوأ مكانه الذي يرتضيه لنفسه؛ إما أن يكون عالماً، أو متعلماً، أو تابعاً للعلماء.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت