إن الحديث عن مشكلات الشباب هو حديثٌ عن محور المشكلات الاجتماعية كلها، فلا ينمو مجتمع إلا حين يكون شبابه في عافية من كل سوء وانحراف، فإذا ما وٌجهت طاقات الشباب نحو الاستقامة والخير فقد تحققت للأمّة أسباب الرفعة والنجاح، وإن أُهمِلت هذه الطاقات لتتجه نحو الانحراف والشطط ، أصاب الأمة من جراء ذلك من شرور وبلايا مالا يمكن دفعه ولا اتقاء ويلاته.
حول هذا الموضوع يتحدث فضيلة الدكتور خالد بن أحمد السعدي – الداعية وأستاذ التربية وعلم النفس بجامعة الدمام، مؤكدا أن شباب المسلمين هم ثروة كبيرة من الفرص، هذه الثروة تحوي من الطاقات والإمكانات الشيء الكثير، لكنها في الوقت ذاته تحوي مخاطر كبيرة أيضا، إذا اتجهت اتجاهات سلبية ذات اليمين أو ذات الشمال، بالإفراط أو بالتفريط، من أجل هذا كان الهم الأول في عالمنا الإسلامي هو كيف أستطيع أن أستثمر طاقات الشباب الاستثمار الأمثل؟ إن مجتمعاتنا العربية في أغلبها مجتمعات فتيّة، نسبة الشباب بها لا تقل عن 65% من السكان، ونحن في هذه ظل الظروف العصيبة التي تمر بها أمتنا الإسلامية بتنا في أمس الحاجة لتنمية الوعي بقضايا الشباب، وأولى هذه القضايا هي قضية الإيمان، وأول محك في قضية الإيمان لدي شباب المسلمين هو المحك العبادي، يرى الشيخ أننا ينبغي أن نساعد الشباب على هذه الفطرة، حتى لو كنا – نحن الآباء- نعاني قدرا من الضعف أو التقصير في جزئية العبادات، لا يجوز أن نُحَمل هذا الضعف على أبنائنا، بل ينبغي علينا أن نُعينهم على التدين، ليس من العقل ولا من الشرع أن نصادر حاجتهم النفسية في ممارسة الالتزام الديني، فكل منا له حاجات، إن لم نلبها ستكون النتيجة حدوث قدر من الإحباط وعدم الاستقرار النفسي، لذا يجب أن نهيئ المجال لأبنائنا لإشباع عاطفتهم الدينية والروحية، وأن نعينهم على الالتزام، وفي نفس الوقت نحرص على المتابعة والمراقبة حتى تظل الأمور في دائرة التوازن والوسطية، ولا تتعداها إلى الغلو والتشدد، فإذا وجدنا من شبابنا سلوكا يخالف منهج النبي- صلى الله عليه وسلم- هنا يجب علينا التدخل والتوجيه بالقدر المطلوب، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.
من ناحية أخرى يرى الدكتور خالد ضرورة تحقُق عامل الأمن النفسي للشباب، أن نوفر لأبنائنا الراحة النفسية والألفة والطمأنينة داخل الأسرة، حتى لا يكون البيت في نظر الشاب مجرد فندق للمبيت وتناول الطعام، ينبغي أن تُفتح قنوات للحوار والتواصل ومد جسور الثقة بين الأبناء من جهة وبين الأهل والمربين من الجهة المقابلة، كذلك الأمر بالنسبة للمعلم في المدرسة، لابد وأن يتيح لطلبته مجالا للمكاشفة والمصارحة، فمهما كان الأستاذ ذكيا ونابغا، إذا كان لا يجيد مهارات التواصل مع الشباب، لن يطمئنوا إليه ولن يفتحوا قلوبهم له، إن المكاشفة والمصارحة مهمة جدا لكشف بوادر الانحراف سواء في قضايا السلوك أو في قضايا الغلو في التدين، يقول الشيخ : دعه يتكلم حتى تتبين حجم المشكلة ويتسنى لك مساعدته في تجنب الشطط والتطرف، واحرص على خلق بيئة جيدة للحوار تراعي فيها أسس الاحترام والتقدير خصوصا للمراهقين وصغار السن، فالمُربِي الجيد هو شخص ودود رحيم، يحترم الشاب ويقدر احتياجاته، ويتفهم ضعفه وأخطائه ، ففي غالب الحالات لا يمكن السيطرة على تمرد المراهقين وعنادهم إلا بالتفهم والتودد والتقرب إليهم.
الرفقة كذلك من المحكَّات المهمة والخطيرة في رأي الشيخ السعدي، على الآباء والمُربين أن يتابعوا بدقة دوائر الصداقة والرفقة في حياة الشباب، خاصة ونحن في عصر الصداقات الافتراضية عبر مواقع التواصل، إذا لم يكن هناك تمحيص وفلترة للصداقة فستكون هناك مشاكل كبيرة وعويصة قد يصعب تدارك تبعاتها فيما بعد، بالإضافة إلى ضرورة الاستعانة بذوي العلم والخبرة من المستشارين التربويين، فأنت عند نقطة معينة قد تشعر أنك خسرت ابنك، هنا لابد وأن تلجأ لذوي الخبرة لاستعادة الثقة المفقودة بينك وبينه قبل فوات الأوان.
ويضيف فضيلة الشيخ أن لأنشطة وبرامج الأندية والملتقيات الشبابية دور في غاية الأهمية في التوجيه التربوي المباشر، حيث يمكن غرس قيم التعاون والعمل الجماعي، من خلال مبادرات العمل التطوعي والدعوي، فضلا عن إشراك الشباب في النقاشات الموسعة حول مختلف القضايا الحياتية، وتعويد الشباب على تنمية ملكة الاكتشاف والإطلاع على الثقافات المختلفة، وحُسن استخدام التقنيات الحديثة في قضايا نافعة، وتعويد صغار السن على اتخاذ القرار، ووضع الخطط والتصورات، والتعلم من التجربة والخطأ، كل ذلك من شأنه أن ينشئ جيلا قويا قادرا على تحمل المسئولية، اقتداء بالمنهج النبوي الكريم حينما كان يوكل مهاما ومسئوليات إلى شباب الصحابة لتربيتهم على الاستقلالية وتحمل المسئولية.
إن حُسن استثمار طاقات شباب الأمة – يقول الدكتور – وتعزيز استقلاليته، والحفاظ على هويته وخصوصيته الثقافية والمجتمعية، له من الأثر الكبير على بناء الشخصية الإيجابية لشبابنا وبناتنا، حتى لا تتلقفهم الشبهات، أو تفتنهم الأهواء والشهوات، يقول المولى سبحانه وتعالى في محكم آياته: "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" سورة القصص – الآية 50.