20 سبتمبر 2024 | 17 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.الماص: الرسول صلى الله عليه وسلم أرسى القواعد الحضارية بالإخاء الإسلامي والرفق والعطاء والحوار

20 يناير 2013

** سيرته العطرة زاخرة بالمواقف والشواهد العظيمة التي غيرت وجه العالم عبر السنين

** الرسول بعث بالنور المبين والهدي المستقيم والدين القويم الذي جمع القبائل المتناحرة وجعل منهم أمةً واحدةً وإخوةً متحابِّين

** النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الجود والكرم وحب العطاء

** من واجبنا نحو الرسول مدارسة سيرته الشريفة والتأسي به والاقتداء بأفعاله

في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام هجري، يستذكر المسلمون ذكرى انبثاق النور الرباني، مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة الزاخرة بالمواقف والشواهد العظيمة التي غيرت وجه العالم عبر السنين، ويقفون متدبرين حياته الطاهرة لينهلوا منها العبر والدروس، ويتأسوا بأخلاقه الرفيعة، مستدعين ما بشرت به رسالته الشريفة من دعوة للخير والصلاح والسمو الأخلاقي.

في هذا اليوم التاريخي الفارق في حياة البشرية، ولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أن بلغ الأربعين من عمره حتى بعث بالنور المبين، والهدي المستقيم، والدين القويم، الذي جمع القبائل المتفرقة المتناحرة، وجعل منهم أمةً واحدةً، وإخوةً متحابِّين، حملوا لواء الحق، ومشعل الهداية، واستطاعوا في ربع قرن أن ينشروا الرحمة، ويُقيموا العدل، ويحقِّقوا الأمن لكل من أظلَّتهم راية الإسلام، وإن اختلفت عقائدهم، أو تنوَّعت أجناسهم، أو تعدَّدت طبقاتهم، فالجميع في ظل الإسلام سواء.

هذا وقد تعدد الإطروحات التي تناولت جوانب من سيرته العطرة وزخرت المكتبات الإسلامية بالعديد من المؤلفات التي تناولت سيرته صلى الله عليه وسلم وخبرته في تعليم الإنسانية لأول مرة في تاريخها مبادئ الحرية والإخاء، ودروس المساواة والعدل والرحمة وأصول التواصل الحضاري، وستظل سيرته الشريفة ملهمة للباحثين والدارسين يستخرجون منها القواعد والأصول الضابطة للعلاقات الإنسانية على مر السنين والدهور وإلى أن تقوم الساعة.

في هذا الإطار وضع أستاذ الدراسات الإسلامية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي د.بدر عبدالرزاق الماص أطروحة حول التواصل الحضاري في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ووسائله في تحقيق ذلك، كالإخاء الإسلامي الذي أذاب به كل دعاوى الجاهلية والنعرات العصبية وصهرها في بوتقة أخوة الإيمان والعقيدة، وخصاله في الرفق والعطاء مع الأنام ورحمته بالناس وعطفه عليهم وكرمه وجوده مع المحتاجين، وحرصه على العطاء دون أن يحسب حسابًا للفقر أو يخشاه ثقة في الله تعالى.

الإخاء الإسلامي

أرسى الرسول صلى الله عليه وسلم ركائز رابطة الإخاء بين معتنقي الدين الإسلامي – كما يوضح د.الماص- منذ العهد المكي بالزكاة المفروضة وبتحرير الإماء والرقيق، وبدمج قبيلتي الأوس والخزرج في مجتمع واحد ُسمِي بالأنصار، وبإزالة مشاعر الغربة من قلوب المهاجرين بانصهارهم مع إخوانهم الأنصار في مجتمع المدينة، قال تعالى"والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" آية 9 سورة الحشر،

الرفق والعطاء

ويبين د.الماص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث وهو مشهود له بمكارم الأخلاق، وقد وصفه الله تعالى الذي اصطفاه بأنه على خلق عظيم، ووصفه بأنه بعث رحمة للعالمين، ووصفه القرآن بأنه يهدي للتي هي أقوم.

ومع قسوة الإجراءات التي أقدمت عليها جحافل المعاندين للدعوة الإسلامية، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابا ولا لعانا، بل كان يقول:" إنما أنا رحمة مهداة"، وكان دائما يتواصل مع الآخرين بطابع الرفق والمودة والعطاء.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الجود وحب العطاء، إذ كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، وروى مسلم عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه إياها فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا، فو الله إن محمدا ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر: فقال أنس إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها"، هذا الغطاء العظيم كسب به القلوب وجذب إليه الأرواح ونشر بذلك الخير والصلاح بين أصحابه والناس.

الحكمة واللطف

ويرى د. الماص أن أخلاق التعامل بالحسنى واستخدام الحكمة واللطف في تبليغ دعوة الإسلام والتعامل مع الآخرين من القواعد التي أرساها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقرها القرآن الكريم قال تعالى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" آية 13 سورة الحجرات، مشيرا إلى أن صور الدبلوماسية الإسلامية اتخذت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث صور أساسية ، تمثلت في رسائله ومبعوثيه إلى الملوك والحكام والقياصرة، واستقبال الوفود والبعوث، وفلسفة الصلح والأمان لمن يسالمون المسلمين، وبهذه المفاهيم انطلقت الدبلوماسية الإسلامية تنشر العدل والرحمة بين الناس وتحافظ على كرامة الإنسان، وتقوى سيادة الدولة الإسلامية، وتحمي مبادئها وأركانها.

الحوار مع غير المسلمين

ويشير د.الماص إلى أن الحوار مع غير المسلمين فريضة شرعية اقتضاها الإسلام في دعوته إلى العالم بالرفق واللين والمجادلة بالتي هي أحسن، قال تعالى" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" آية 125 سورة النحل، وكان صلى الله عليه وسلم يقيم الحوار مع الآخر سواء كان مشركا أو يهوديا أو نصرانيا، ويعرض عليه الإسلام بصورة واضحة وبأسلوب علمي يقوم على الحجة والبرهان، لافتا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حكيما وبعيد النظر في تواصله الحضاري، ولطيفا في تبليغ دعوته، واستخدامه شتى السبل والوسائل الشريفة من أجل إيصال دعوته إلى الناس، إما بالاتصال الشخصي، أو الاجتماع بالناس ،أو إقامة الولائم، والندوات، أو الذهاب إلى تجمعات الناس لتبليغ دعوة الله، أو اتخاذه مقرا للدعوة الإسلامية لتربية أصحابه كما كان يحدث في دار الأرقم بن أبي الأرقم، أو إرسال السفراء، وكانت هجرته من مكة إلى المدينة محطة فاصلة في تاريخ الأمة، حيث أقام الدولة الإسلامية وانطلقت دعوة الإسلام إلى الآفاق.

واجبنا نحو الرسول صلى الله عليه وسلم

وخلاصة القول إن من واجب المسلمين نحو الرسول صلى الله عليه وسلم في مولده وفي كل حين طاعته، فطاعة الرسول من طاعة الله، وهي دليل على محبة العبد لربه، قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا 80)(النساء)، وقال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 31) (آل عمران)، وكان الصحابة يقتدون به في كل أمور حياتهم ويعرفون عنه كل دقائق حياته العامة والخاصة، حتى إنهم كانوا يعرفون عدد الشعرات البيض التي في لحيته، وفي رأسه- صلى الله عليه وسلم-.

كما علينا مدارسة سيرته الشريفة والتأسي به- صلى الله عليه وسلم- والاقتداء بأفعاله، وإتباع سنته- صلى الله عليه وسلم- والتمسك بهديه - صلى الله عليه وسلم- والتخلق بأخلاقه- صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) 21 (الأحزاب)، وعلى المسلم أن يملأ قلبه بحب الرسول- صلى الله عليه وسلم- لأن ذلك من كمال الإيمان، والمرء مع من أحب يوم القيامة.

وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للدكتور/ بدر الماص لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت