19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.الكثيري: الأوقاف الإسلامية الأداة الرئيسة لتحقيق التنمية بنائيا ووقائيا (2/2)

18 فبراير 2012

* العقود الأخيرة شهدت نهضة وقفية واضحة المعالم وبدأت على شكل دعوات متكررة من أهل العلم لإحياء

* واقعنا يشهد توجهاً كبيراً لرجال الأعمال في تأسيس كيانات خيرية تعنى بإدارة الجانب الخيري من ثرواتهم

* المؤسسات الخيرية المانحة تمتلك قدرات مالية متميزة تقوم بقيادة العمل الوقفي وتنشر ثقافته

يواصل مدير عام مؤسسة الوقف الإسلامي د.محمد ناصر الكثيري حواره في الجزء الثاني بتأكيداته أن الدين الإسلامي جاء من أجل الإنسان، وأن القرآن أنزل من أجل هدايته، لأن الله تعالى كرمه الله وفضله على كثير من المخلوقات، وبوأه منزلة عظيمة.

وشدد على أن الهدف الذي تسعى إليه مؤسسة الوقف، هو ذاته الهدف الذي دعا إليه الأنبياء والرسل وحث عليه القرآن، من الاهتمام ببناء الإنسان الصالح والعمل على تأهيله ليكون عنصرا فعالا داخل مجتمعه ووطنه، و أن الأمم المتقدمة أدركت أن أعظم مقوم للتقدم والرقي هو الإنسان، وأن قوة المجتمع مرهون بما يستثمر في بناء الإنسان، وأن العديد من الدول التي سبقت غيرها وهي لا تملك مقومات النهوض من موارد وثروات وموقع جغرافي، كان ذلك من خلال اهتمامها ببناء الإنسان.

وكما أشرنا في الجزء الأول تعد مؤسسة الوقف من المؤسسات التعليمية الدعوية تأسست عام 1408 هـ، ويشرف على أعمالها مجلس أمناء يضم ثلة من أهل العلم والفضل، من أبرزهم الشيخ "صالح بن عبد الرحمن الحصين" والشيخ "عبد الله بن سليمان المنيع".

وفي الجزء الثاني من الحوار نتناول مع د.الكثيري مدي إقبال المتبرعين والممولين على دعم العمل الوقفي وصور الدعم، ودور العمل الوقفي في مسيرة التنمية كشريك حقيقي، واستشرافه لمستقبل الوقف، وحجم العمل الوقفي على خريطة العمل الخيري، وفيما يلي النص:

الشراكة التنموية

**إلى أي مدى يسهم العمل الوقفي في مسيرة التنمية كشريك حقيقي؟

*ليس خافياً على أحد أن الأوقاف كانت الأداة الرئيسية لتحقيق التنمية لعدة قرون مضت في عالمنا العربي والإسلامي، وقدم دوراً فاعلاً في سد حاجات المجتمع بالرغم من كونها مؤسسات صغيرة متناثرة لا يجمعها رابط، وقد سجل التاريخ أن ريع الأوقاف أنفق على التعليم والصحة، وأنفق على الصناعة وتشييد الجسور وشق القنوات وتعبيد الطرق، وأنفق كذلك على كفالة الأيتام ورعاية الأرامل والفقراء والمساكين، بل أنفق على الجيوش الإسلامية في كثير من أحوالها .

وهذا سلوك يعزز الانطباع السائد بأن المؤسسات الوقفية كانت الفاعل الرئيس في العملية التنموية في الجانبين البنائي والوقائي على مدى قرون، وفي أوج ازدهار الحضارة الإسلامية وتمكنها.

وفي سياق التنمية البشرية تسعى مؤسسة الوقف إلى بناء الإنسان وهو الهدف ذاته الذي دعا إليه الأنبياء والرسل وحث عليه القرآن، من الاهتمام ببناء الإنسان الصالح والعمل على تأهيله ليكون عنصرا فعالا داخل مجتمعه ووطنه، و أن الأمم المتقدمة أدركت أن أعظم مقوم للتقدم والرقي هو الإنسان، وأن قوة المجتمع مرهون بما يستثمر في بناء الإنسان، وأن العديد من الدول التي سبقت غيرها وهي لا تملك مقومات النهوض من موارد وثروات وموقع جغرافي، كان ذلك من خلال اهتمامها ببناء الإنسان.

دور الوقف عالميا

**هذا على المستوى الإسلامي..لكن كيف ترى دور الوقف عالميا؟

*بالرغم من تراجع دور المؤسسات الوقفية الإسلامية في قيادة مسيرة التنمية إلا أن العالم يثبت أن الوقف لا زال محافظاً على مكانته كشريك قوي في التنمية إذا أخذنا بالاعتبار الشيوع الكبير للمؤسسات الوقفية في العالم الغربي، ومن أمثلة ذلك مؤسسة (welcome) الوقفية وهي أكبر المؤسسات الخيرية العاملة في القطاع الصحي على مستوى العالم، والتي كان منشؤها ومقرها بريطانيا، تأسست منذ عام 1936م، وتعتمد في تمويلها على مخرجات ونتائج البحوث، لتستفيد منها في توسيع موجودات المؤسسة حتى بلغت الأصول الوقفية للمؤسسة نحو 10 مليار جنيه إسترليني، وكان حجم إنفاقها على النشاطات الخيرية سنوياً يصل تقريباً إلى 400 مليون جنيه إسترليني.

وتشير بعض الدراسات إلي وجود ما يقارب ستة ملايين مؤسسة غير ربحية في الولايات المتحدة (المسجل منها ما يقارب مليون و600 ألف مؤسسة غير ربحية لعام 2004م) وهذه المؤسسات ما بين جمعيات خيرية ودينية وعمالية ونقابية وحزبية وغيرها، ومن أبرزها: مؤسسة بيل ومليندا غيتس الوقفية وصاحبها هو مالك شركة مايكروسوفت (بيل جيتس)، ورأس مالها أكثر من 42 مليون دولار، وقد خصص لها الملياردير الأمريكي المعروف (وارن بافيت) 83% من ثروته عام 2006م، وبلغ التبرع حينها (30.7) مليار دولار مخصصاً تبرعه لدعم الأبحاث الطبية ومساعدة الفقراء والمرضى، وتشجيع التعليم والتربية في البلدان الفقيرة.كما أعلن "بافيت" انضمامه إلى مجلس إدارة

مؤسسة "جيتس الخيرية".، وهناك مؤسسة ليلي انداوفت، ورأس مالها 13 مليار دولار، ومؤسسة فورد ورأس مالها 11 ملياردولار.

وبلغة الأرقام نستطيع القول إن واحدة من هذه المؤسسات أكبر من كل مؤسسات العمل الخيري في العالم الإسلامي!! فقد بلغت التبرعات خلال عام واحد 212 مليار دولار، ويمكن لنا أن نتعجب أكثر إذا عرفنا أن عدد المؤسسات الوقفية في أمريكا وحدها يتجاوز 32 ألف مؤسسة.

وكثرة المؤسسات وضخامتها ، هي نتيجة طبيعية للاتجاهات التي سادت لدى المجتمعات الغربية لتأطير العمل الاجتماعي بشتى جوانبه على شكل مؤسسات، وهيئات محترفة مستقلة لتساهم بقوة مع القطاعات الحكومية في دعم الرفاه الاجتماعي، وهذا ما أظهر الشخصية الاعتبارية التي تدير أعمالاً لا ربحية.

تأميم الأوقاف

**ما مدى إقبال المتبرعين والممولين على دعم العمل الوقفي وصور الدعم؟

*للأسف الشديد تراجعت ثقافة الوقف في العالم الإسلامية منذ قرنين من الزمان، حيث تم تغييب (الوقف) من موقعه الإداري والاعتباري في دول العالم العربي منذ عام 1224هـ زمن محمد علي باشا؛ من خلال سن تشريعات وقوانين تحد من الإدارة الأهلية للأوقاف المنتشرة بكثرة، فقام بتأميم العمل الخيري المتمثل في الأوقاف والمساجد وأنظمتها، بمشورة بعض الخبراء الفرنسيين. وبهذا التأميم والترسيم أُعطيت الأعمال الخيرية فضول المواقع الإدارية والأوقات والأموال لتعطي فضول النتائج، بل وأصبح هذا القطاع بغياب مفاهيمه الإدارية والمؤسسية الصحيحة التي تعطيه الصفة الاعتبارية والاستقلالية غائب عن الشراكة في عمليات التنمية منذ ذلك الوقت.

وتأميم الأوقاف وتقييد الحكومات لها تكرر في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي، ما أدى إلى إحجام الناس عن الإيقاف خشية على أوقافهم من الحكومات فتراجع الوعي بأهمية هذا القطاع الحيوي، وأصبح العمل الخيري يتمثل في تبرعات الموسرين وصدقاتهم التي توهب للفقراء والمحتاجين في شكل فردي بسيط .

إلا إن العقود الأخيرة بفضل الله شهدت نهضة وقفية واضحة المعالم .. ابتدأت على شكل دعوات متكررة من عدد من الباحثين وأهل العلم والمسؤولين لإحياء الوقف، وندوات ومؤتمرات في عدد من الدول قدمت فيها أبحاث أثرت ثقافة الوقف وعززت من مكانته لدى رجال الأعمال والقائمين على المؤسسات الخيرية، فأصبح الاتجاه لإنشاء الأوقاف وتملكها والاعتماد عليها سائداً لدى الجمعيات والمؤسسات الخيرية، حتى لا تكاد تسمع بمؤسسة خيرية إلا ولديها عدد من الأوقاف، كما انتشرت المؤسسات الخيرية الخاصة بصورة لا بأس بها، وأصبحت لها أوقافها التي تدار عن طريق مؤسسات حديثة .

استشراف المستقبل

**ماذا عن استشرافك لمستقبل الوقف؟

*المستقبل الذي نرجوه للوقف يقوم على عاملين أساسيين : العامل الأول يتمثل في التوجه الجماهيري العام لإنشاء الأوقاف وتخصيصها، والعامل الثاني يرتبط بالمؤسسات الحكومية ودورها من جهة سنها للقوانين والتشريعات التي تنظم هذه العملية، وتيسر إجراءات التسجيل والترسيم، وتصنع بيئة خصبة لقيام المؤسسات الخيرية والمشروعات التطوعية العامة.

وواقعنا يشهد توجهاً كبيراً لرجال الأعمال في تأسيس كيانات خيرية، تقوم بإدارة الجانب الخيري من ثرواتهم، وهذا أنتج عدداً غير قليل من المؤسسات الخيرية الخاصة، ويتوقع أن تنمو هذه الظاهرة بالتوازي مع تقدم الوعي بأهمية الوقف ومكانته في ديمومة العطاء وضمان تلك الديمومة .. وعلى جانب آخر نشهد كذلك تقدماً ملحوظاً في الجهود الرسمية المبذولة لرعاية هذه السنة العظيمة .

**ماذا عن حجم العمل الوقفي على خريطة العمل الخيري؟

*يمكن القول أنه لا تكاد تخلو مؤسسة خيرية من وقف واحد على الأقل، بعضها على شكل عقارات ذات عوائد كالمعارض التجارية والأبراج السكنية جارية، وبعضها الآخر على شكل مؤسسات وشركات ومصانع، وغيرها من الاستثمارات التجارية.

هذا بالإضافة إلى المؤسسات الخيرية المانحة، وتتميز بأنها تمتلك قدرات مالية متميزة .. تقوم بقيادة العمل الوقفي وتنشر ثقافة الوقف في المجتمع من خلال تطبيقاتها العملية على أرض الواقع .

بناء جيل واع

**إلى أي مدى نجحت مؤسسة الوقف في تحقيق أهدافها وما أسباب النجاح؟

*نستطيع أن نجيب عن هذا السؤال بالإيجاب بالنظر إلى واقع العمل الخيري والدعوي في مناطق العمل، فالمعاهد الشرعية والمدارس الإسلامية والبيوت والمحاضن الطلابية والدورات والدروس العلمية وبرامج المنح الطلابية وحلق التحفيظ خرجت آلاف الطلاب والطالبات على مدى عقدين من الزمان منذ تأسيس المؤسسة.

هؤلاء الطلاب هم الذين يديرون المؤسسات والجمعيات الخيرية المحلية العاملة، وتقوم بجهودهم العملية الدعوية في مناطقهم وبلدانهم، وهذا يمثل في نظرنا نجاحاً تاماً، لأن الهدف النهائي للجهود الدعوية والتعليمية هو بناء جيل واعٍ يكمل المسيرة ويواصل الجهد.

وتوفيق الله تعالى هو السبب الأول والأخير خلف ما تحقق من ثمرات، ويتبع ذلك حرص القائمين على المؤسسة وإدراكهم لحاجة الشعوب الإسلامية المتعطشة إلى النهل من هذا الدين.

ذلك الحرص تبلور في المتابعة الدائمة والحثيثة من مجلس أمناء المؤسسة ورجالاتها لسير العمل ومجرياته، ودعمهم المعنوي الدائم والمتواصل.

**هل نشأة مؤسسة الوقف في السعودية كبيئة حاضنة أعطتها حوافز خاصة نحو التطور والإبداع؟

*ربما كان أهم الحوافز التي دفعت المؤسسة للتطور والإبداع هو تلك الروح العالية التي يتحلى بها أهل هذه البلاد، وشعورهم العميق بالارتباط مع الشعوب المسلمة في كل بقعة من العالم، إضافةً إلى الدعم الكبير الذي منحته هذه البيئة للمؤسسات الخيرية وللعمل الخيري والدعوي عموماً .

وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للدكتور/ الكثيري ، لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت