19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.القشعان: المتدينون الأكثر رضا وسعادة في حياتهم الزوجية (1/2)

15 يناير 2012

* الإسلام جعل الالتزام بالدين الأساس الأول لاختيار الزوج أو الزوجة

* ممارسة المسلم لشعائر دينه عقيدة وسلوكا تعد عاملا أساسيا في تحقيق الاستقرار الأسري

* الدراسة تؤكد أن تدهور الحوار والتواصل بين الزوجين يشكل نسبة 28% من أسباب الطلاق

*تدهور الأوضاع الأسرية استدعى قيام مؤسسات وجمعيات جعلت من القيم الإسلامية منطلقا لحل المشكلات الزوجية

يشكل التمسك بالقيم الإسلامية أحد العوامل الأساسية في نجاح مؤسسة الأسرة وتعزيز دورها المجتمعي، فيما يؤدي غيابها إلى تنامي ظاهرة التفكك الأسري وتكلس دورها في الحياة، وما يترتب علي ذلك من ارتفاع معدلات الطلاق من ناحية وبروز حالة من السخط الزوجي من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق كشفت دراسة علمية قيمة عن " دور الاعتدال في التدين لدى الزوجين في إيجاد التكامل والرضا النفسي والسلوكي في العلاقة الزوجية - دراسة ميدانية" لاستشاري الأسرة والمراهقة والأستاذ بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت الدكتور حمود القشعان أن الأفراد الأكثر تديناً هم الأكثر رضا وسعادة في حياتهم الزوجية، ولعله من المفيد أن نتناول عرض نتائج وأدبيات هذه الدراسة القيمة على جزأين.

وبات من الأهمية وضع العلاقة الزوجية في إطار ديني مقدس وليس في إطار شخصي أو عقد مدني- كما تشير نتائج الدراسة - مؤكدة أن الإسلام جعل الالتزام بالدين الأساس الأول الذي يقوم عليه اختيار الزوج أو الزوجة، لقول الرسول صلي الله عليه وسلم " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".

وشددت الدراسة التي تناولت العلاقة بين مستوى التدين من جهة ومستوى الرضا الزوجي من جهة ثانية علي عدم وجود فروق دالة إحصائياً بين الجنسين (ذكور-إناث)على مقياس التدين، وأن الإناث والذكور في المجتمع الكويتي لديهم اتجاهات والتزامات متقاربة نحو الدين، ويمارسون شعائره بدرجه متقاربة دون وجود اختلافات جوهرية، مشيرة على أهمية توجيه المقبلين على الزواج والمتزوجين على حد سواء إلى الالتزام بالحقوق والواجبات الزوجية كما حددها الشرع الحنيف، إضافة إلى أهمية استنباط السنن التي حث عليها ومارسها الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن ممارسة المسلم لشعائر دينه عقيدة وسلوكا تعد عاملا مهما وأساسيا في تحقيق الرضا والاستقرار الأسري.

أسئلة عن مستوى الالتزام

وقد حاولت الدراسة الإجابة علي مجموعة من الأسئلة التالية: ما درجة الالتزام الديني لدى عينة من المواطنين الكويتيين؟ وهل هناك اختلاف بين الرجال والنساء في درجة الالتزام الديني؟ وهل يختلف الناس في درجة تدينهم حسب المستوى التعليمي والمستوى الاقتصادي وحسب المناطق السكنية؟ وهل يختلف المتدينون عن غير المتدينين من حيث مستوى الرضا الزوجي؟ وما أكثر الشعائر الدينية المؤثرة بدرجة الرضا الزوجي لدى الزوجين؟.

وقد أجريت الدراسة على عينة عشوائية قوامها 2523 فرداً من الذكور والإناث من كافة محافظات دولة الكويت، وقد وزعت عليها استبانه شملت متغيرات الدراسة من حيث الجنس والعمر ومدة الزواج والمستوى التعليمي ومستوى الدخل الشهري، وغيرها من المتغيرات التي يرى الباحث إمكانية تأثيرها وارتباطها بهدف الدراسة.

تأثير التدين

وقد كشفت الدراسة أن الأفراد الأكثر تديناً، كانوا أكثر رضاً في حياتهم الزوجية، وأظهر الذكور مستوى أعلى منه لدى الإناث من حيث مستوى الرضا عن العلاقة الزوجية، وعند مقارنة الجنسين وفق مستوى التدين، لم تكشف الدراسة فروقاً ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث من حيث مستوى التدين.

من جانب آخر، أثبتت الدراسة وجود فروق واضحة بين كل من متغير العمر ومدة الحياة الزوجية ومستوى الدخل ودرجة الرضا الزوجي، وأكدت أن التدين عقيدةً وسلوك، وأن هناك دلالات واضحة على أن الدين مهذب للسلوك وللنفس على حد سواء.

وتأتي نتائج الدراسة لتساعد المرشدين الاجتماعيين والنفسانيين والأسريين في فهم حاجات المسترشدين من المترددين على المراكز الاستشارية، سواء النفسية أم العائلية والتي من شأنها المساهمة في اتخاذ الأساليب العلمية لتطبيق وتحقيق أفضل النتائج المرجوة للمجتمع ككل.

عوامل استقرار الحياة الزوجية

وقال د. حمود القشعان في دراسته إن المتتبع للدراسات العربية التي تناولت عوامل استقرار ونجاح الحياة الزوجية يدرك مدى تنوع واختلاف نتائج الدراسات حول هذه العوامل، فهناك من أكد أهمية حسن الاختيار كأساس لنجاح الزواج ، وهناك من أكد الثقة والحوار، حيث تبين أن تدهور الحوار والتواصل بين الزوجين يشكل نسبة 28% من أسباب الطلاق، في حين أكد آخرون أهمية الدين وإتباع تعاليمه في حفظ الأسرة وضمان استمرارها وأداء أدوارها، حيث يرون أن التفكك الأسرى يرجع إلى الابتعاد عن الالتزام الصحيح، بالدين وسيطرة دوافع الأنانية الفردية وحب الملذات والشهوات .

مؤسسات غربية

وتأكيداً لأهمية الدين في حفظ الاستقرار الأسري فقد ظهرت مؤسسات لها طابع ديني سواءً كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية وجميعها تؤكد أهمية الدين كعامل في حفظ الرابطة الزوجية، فعلى سبيل المثال ظهرت في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية مؤسسات Prep والتي تعنى بتهيئة المقدمين على الزواج من الجنسين في إطار الكنيسة، كما ظهر تحالف الزواج من الجنسين في إطار الكنيسة تحت مسمى تحالف الزواج الذكي Smart Marriage Coalition ، والذي يعقد مؤتمره السنوي في العاصمة الأمريكية في ظل تأكيد أهمية التدين في حفظ الزواج واستمرار فاعليته .

مؤسسات عربية

أما على مستوى الوطن العربي وبالأخص في دول الخليج العربي فقد ظهرت مؤسسات ذات طابع ديني تهتم بالأسرة والزواج ضمن إطار الدين والتدين.

ففي دولة الكويت بــدأت " لجنة مصابيح الهدى " في حملات التوعية وعقد الدورات للمتزوجين والمقبلين على الزواج ، ثم أنشئ صندوق الأسرة وصنـدوق السعادة الزوجية التابـع للأمانة العامة للأوقاف.

أما في البحرين فقد ظهرت لجنة "البشاير" وهي لجنة تشبه مصابيح الهدى الكويتية من حيث الهدف والوسائل.

وفى الإمارات ظهرت مؤسسات أهلية وحكومية، وعلى رأسها صندوق الزواج ومكتب شئون المواطنات.

وفي قطر نشطت دار تنمية الأسرة للعمل على حفظ واستقرار الأسرة القطرية.

أما على مستوى الدول العربية الأخرى، فقد ظهرت جمعية العفاف بالأردن وتهتم بنفس الأهداف التي تنطوي عليها الجمعيات الخليجية، وتحاول هذه المؤسسات وما شابهها الحفاظ على استقرار الأسرة في المجتمع العربي، حيث تعتمد على الدين الإسلامي في أنشطتها الرامية إلى تحقيق ذلك، ولما كان الدين ينعكس على سلوك الفرد، أو يفترض فيه أن يكون كذلك، فإن السلوك الزوجي والأسري سوف يتأثر –بالتأكيد- بموقف صاحبه من الدين، وهنا تتضح أهمية استقصاء العلاقة بين التدين والرضا الزوجي باعتبارها الأساس الأول للحفاظ على الأسرة وضمان استقرارها.

وأكد د.القشعان أن الدراسات الغربية تزخر بتأكيداتها على دور الدين، وضرورة الالتزام به في تقويم السلوك الفردي والجمعي للإنسان ، في حين تندر الدراسات العربية المعنية بالعلاقة المباشرة بين التدين والحياة الزوجية ، فيما عدا بعض الدراسات التي استخدمت مقاييس لتقدير درجة التدين وعلاقته ببعض الظواهر الاجتماعية السلوكية الأخرى.

وأضاف : هناك أيضا دراسات أخرى أجريت لقياس بعض العوامل والأفكار والمفاهيم المرتبطة بالدين في حين كانت هناك دراسات متشابهة لحد كبير وذلك لدراسة العوامل المؤثرة بالتدين لدى الشباب الجامعي.

وكذلك تشابهت دراسـات أخرى حول الالتزام الديني لدى المراهقين بالمراحل الثانوية .

بينما أجريت دراسات أخرى على علاقة الدين بالصحة النفسية وعلم النفس، فعلى سبيل المثال ظهرت دراسات تناولت العلاقة بين التدين وكل من العصابية والانبساط والثقة بالنفس والدافعية للإنجاز، وكذلك الاتجاهات الدينية والتكيف النفسي وكلها تؤكد على أهمية علاقة الدين بالصحة النفسية ، في حين كانت هناك دراسة حول علاقة التدين ببعض المخاوف لدى طلبة الجامعة.

أما عن دور التدين وعلاقته بالحياة الأسرية فلم يجد الباحث غير تحقيقات صحفية ومقالات في مجلات أسرية، ولذا لم يجد الباحث بداً من الاعتماد الأساسي على الدراسات الغربية في توضيح العلاقة بين متغيرات الدراسة، رغم اختلاف معنى التدين في الواقع التطبيقي بين كل من اليهودية والمسيحية من جهة والإسلام من جهة أخرى. ومع ذلك فإننا لن نهمل ذلك الجهد البحثي، الذي قام به باحثون عرب بغية محاولة تأكيد ومقارنة النتائج التي انتهت إليها دراساتهم مع ما توصل إليه الباحثون الغربيون حول علاقة التدين بالحياة الأسرية.

ورغم أن الدراسة - كما يشير د. القشعان - لا تهدف إلى قياس درجة الرضا الزوجي بين الزوجين المختلفين في الديانة إلا أنه تجدر الإشارة إلى أهمية التشابه الديني كعامل مهم للرضا الزوجي، إذ إن التشابه والتقارب العقائدي ومستوى تدين الزوجين من شأنه التأثير إيجابياً في درجة الحوار الزوجي ونوعيته من جهة، وتأكيد عمق التوافق والتعاطف بين الزوجين من جهة ثانية (Lias & Steven, 1994) إن تشابه ديانة كل من الزوجين يحدد درجة تماسك الأسرة ومستوى الرضا فيها، ففي دراسة حول زواج اليهود الأمريكان من بعضهم البعض من جهة وزواجهم من أفراد مسيحيين من جهة ثانية، اتضح ارتفاع الطلاق بشكل مضاعف عند زواج اليهود من غير اليهود ، فقد وصلت نسبة الطلاق لديهم إلى (32%) بينما كانت نسبة الطلاق بين الأزواج من نفس الديانة تشـكل نسبة (17%) فقط.

وفى مقابل تلك الدراسات التي أكدت ارتباط الرضا الزوجي بالتدين، ظهرت دراسات تتحفظ على إطلاق التعميمات حول تأثير التدين في الحياة الزوجية. إذ أكدت دراسة فليسنغر و ويلسون (Filsinger & Wilson, 1984) على أن تأثير التدين يكمن فقط في تهيئة طرفي الزواج لاحتواء وحل المشكلات الزوجية ، وليس في تزويد الزوجين بمهارات احتواء وحل المشكلات الزوجية، بمعنى أن التدين بحد ذاته يتأثر بنمط شخصية كل من الزوجين، وأسلوب تنشئتهما. بل ذهبت الدراسة نفسها إلى أن درجة التدين ليست العامل الرئيسي في وجود أو تحقق الرضا الزوجي، و إنما عوامل أخرى تؤثر في ذلك منها ، مدة الحياة الزوجية والوضع الاقتصادي للزوجين وكذلك درجة النضج لكلا الزوجين.

وخلاصة القول أن الدين يعتبر عاملا أساسيا في استقرار الحياة الزوجية والأسرية، ومن ثم فعلى كل زوجين أن يعرفا حقوقهما وواجباتهما التي أقرتها الشريعة الإسلامية ليحظيا بالسعادة في الدنيا والآخرة، كما أكدت الدراسة في الجزء الأول من العرض، وبإذن الله تعالى سنتناول في الجزء الثاني، رؤية أكثر تفصيلا لنظرة الإسلام للحياة الزوجية وفق ما ورد في الدراسة.

وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للدكتور/القشعان، لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت