20 سبتمبر 2024 | 17 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.السرجاني: العشر الأوائل من ذي الحجة زاخرة بأبواب الخير وأعظم القربات

06 أكتوبر 2013

شرع الله لمن لم يشهد الحج أعمالا صالحة، تجعلنا نحيا في
الأجواء ذاتها التي يعيشها الحجاج، ونتنسم معهم نسمات الحج ونفحاته، مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر -أي عشر ذي الحجة-، قالوا يا رسول: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).

 

 

وفي هذا السياق يرى الداعية الإسلامي الدكتور راغب السرجاني أن الأيام العشر الأول من ذي الحجة تمثل فرصة عظيمة أمام كل مؤمن ليقم في قلبه جبلاً لعرفات، وليدعُ الله وقتما شاء، وليرجم الشيطان في كل لحظة من لحظات حياته، وليتخفف من دنياه، وليصلح ذات بينه، وليسامح إخوانه، ويحب الخير لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

ويعدد د.السرجاني عشر واجبات يستطيع المؤمن أن يؤديها يوميا في هذه الأيام العشر المباركة، باعتبارها من أبواب الخير والأعمال الصالحة التي يحصد من جرائها الأجر العظيم والثواب الوفير.

 

الصيام و صلاة الجمـاعة والإكثار من النوافل  

 

 

 ويأتي الصيام – كما يشير د.السرجاني- طوال التسع أيام الأول من ذي الحجة على رأس الأعمال الصالحة وبخاصة يوم (عرفة) حيث إن صيامه يكفر ذنوب سنتين كاملتين: سنة ماضية وسنة مستقبلة، كما روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه؛ والله تعالى يغفر ذنوب الحجاج ، ويعتق رقاب الكثيرين من خلقه في ذلك اليوم المبارك (يوم عرفة)، وقد روى مسلم عن السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق فيـه عبدًا من النار من يوم عرفة)، فالحاج سيكفر الله له ذنوبه في عرفة، وغير الحجاج الصائمين في يوم "عرفة" سيغفر الله تعالى لهم ذنوبهم وهم في بلادهم على بعد أميال من مكة!! أي نعمة وأي فضل أعظم من ذلك؟؟

 

صلاة الجمـاعة  

 إن الحفاظ على صلاة الجماعة بالنسبة للرجال، والصلاة على أول وقتها بالنسبة للنساء أيضا – كما يوضح د.السرجاني- يجب أن يكون حال المسلم طوال العام، ولكن للشيطان أوقات يتغلب فيها على ابن آدم فيحرمه من الأجر والثواب العظيم، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن جعل للمؤمنين مواسم يشتاق فيها المرء للعبادة، مثل "شهر رمضان"، "والعشر الأوائل من ذي الحجة".. وهي فرص ثمينة ليست لتحصيل الثواب فحسب، وإنما للتدرب والتعود على هذه الفضائل طوال العام وطول العمر.

 

الإكثار من صلاة النوافل   

 

 ويذكر د.السرجاني أنه إذا كان الله قد جعل للحجاج فرصة عظيمة في تحصيل الأجر من الصلاة في المسجد الحرام، والمسجد النبوي؛ فإنه سبحانه وتعالى لم يحرم من لم يحج من فرصة زيادة الحسنات عن طريق صلاة النافلة، فالحاج في مكة لا يضيع وقته؛ لأن كل صلاة يصليها بمائة ألف صلاة، وكذلك غير الحاج عليه ألا يضيع هذه الأيام، ومن أبواب  الحسنات فيها قيام الليل، وهو من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، وقيام الليل في هذه الأيام له وضع خاص وأجر خاص.. وكثير من المفسرين يقولون في تفسير القسم في قول الله عز وجل: (والفجر * وليــالٍ عشر) أن المقصود بها الليالي العشر الأول من ذي الحجة.. قم صل قدر ما استطعت، واسأل الله من فضله ما أردت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له) ماذا يريد العبد أكثر من ذلك؟؟!

وهناك أيضا السنن الرواتب، وفي صحيح مسلمٍ عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة)؛ 12 ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.. أي فضل وأي خير هذا؟، وهناك من السنن والنوافل أيضا صلاة الضحى، سنة الوضوء، صلاة الاستخارة، وغيرها... فلتجعل من هذه العشر هجرة كاملة لله عز وجل.

 

ذكر الله عز وجل

 

ولذكر الله في هذه الأيام – كما يبين د. السرجاني- وضع خاص جدًّا، يقول الله سبحانه وتعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات) أي هذه العشر؛ وقال ابن عباس في قوله تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) هي الأيام العشر؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون)، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات)، وكل أنواع الذكر محمودة ومطلوبة، لكن في هذه الأيام يكون هناك خصوصية لبعض الأذكار، ومنها: التهليل، والتكبير، والتحميد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام – يعني العشر من ذي الحجة) رواه البخاري، وكذلك للاستغفار في هذه الأيام حضور ومكانة كبيرة؛ خاصة أن الجو العام في هذه الأيام هو جو الرحمة والمغفرة والتوبة، وهذه الأيام فرصة للاستغفار والتوبة إلى الله تعالى بصيغ الاستغفار المتعددة.. وتذكًر دائمًا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله).

 

الوحدة بين المسلمين

 

وتعد هذه الأيام العشر – كما يبين د.السرجاني- فرصة لغير الحاج ليجتهد في توحيد المسلمين في محيطه، من خلال مايلي:

أولاً، بر الوالدين.. فبرهما وطاعتهما مقدمة على كل شيء ما داما لم يأمرا بمعصية؛ وتذكر أنك تريد الحج حتى تدخل الجنة، والوالدان يمكنهما أن يدخلاك الجنة.

ثانيًا، صلة الرحم.. فأنت بوصلك للرحم تكون أهلاً لأن يصلك الله عز وجل، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، لكن الواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها).

ثالثًا، الأصحاب والجيران، ودوائر المجتمع المحيطة بك، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً).

رابعًا، إصلاح ذات البين.. ابحث فيمن حولك عمن بينك وبينه خلاف أو قطيعة، واجتهد أن تصلح ما بينك وبينه.

 

 

الـدعـاء 

 

وعرج د. السرجاني في تناوله لفضائل هذه الأيام العديد من الأعمال الصالحة ومنها الدعاء ، فقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من قيمة الدعاء، فقال: (الدعاء هو العبادة)، ويقول الله سبحانه وتعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، وإذا كان للحجاج فرص عظيمة لاستجابة الدعاء في مكة، وفي الطواف، وعند رمي الجمرات.. وغيرها، فإن لدى غير الحاج فرص كثيرة أيضًا، منها: الثلث الأخير من الليل، وعند السجود، وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء)؛ وعلى أية حـال فإن الدعاء يكون في كل حال، وفي أي وقت، والأيام العشر كلها أيام عظيمة مباركة.

 

قراءة القرآن

 

وتطرق إلى قراءة القرآن بوصفها نعمة كبيرة جدًّا ذات فضل وخير كثير.. وعلى كل مسلم أن يقرأ القرآن وله بكل حرفٍ فيه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها؛ بل من الممكن أن نختم القرآن كله في هذه العشر.. وإن كان ذلك صعبا، فانه غير مستحيل.

 

الصدقـات

الإكثار من الصدقة في هذه الأيام المباركة له فضله وأجره، قال تعالى: (وما تنفقوا من خيرٍ فلأنفُسِكُم ومـا تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خيرٍ يوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون)، فهذه الأيام أيام سعادة، وفقراء المسلمين في أمس الحاجة إلى السعادة في هذه الأيام.. فأكثر من النفقة واحتسب أجرك عند الله، ولا شك أن الأجر مضاعف في هذه الأيام.. وتذكر أن الحاج ينفق من ماله الشيء الكثير في الحج، ولا بد على من لم يحج ويريد أن يفوز بالأجر والثواب أن يتنافس معه قدر استطاعته، كلٌ بمقدرته (اتقوا النار ولو بشق تمرة).

 

التقشف  

 ويخاطب المسلمين قائلا: تعالوا نعش مع الحجاج معيشتهم في هذه الأيام.. تعالوا نأخذ من الحج درسًا عمليًّا نطبقه في حياتنا في بيوتنا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يستشعر المسلمون حياة الحجيج لمن لم يذهب إلى مكة؛ ولذلك قال فيما ترويه أم سلمة رضي الله عنها: (إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئًا)، ليس مهمًّا أن نلبس أفخم الثياب، أو نأكل أفضل الأكل.. لكن المهم أن نغتنم كل لحظة وكل دقيقة من هذه الأيام في طاعة الله سبحانه وتعالى.

 

الأضحية

 

 

وتمثل الأضحية- كما يوضح د.السرجاني- شعيرة من أعظم القربات إلى الله عز وجل، وهي مما يُشعر المسلم بجو الحج تمامًا.. ويكفي أن أذكر هنا حديثين للنبي صلى الله عليه وسلم، أولهما قوله: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله تعالى من إراقة دم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها، وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض.. فطيبوا بها نفسًا)، الحديث الثاني رواه ابن ماجه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: (سنة أبيكم إبراهيم)، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: (بكل شعرة حسنة)، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: (بكل شعرة من الصوف حسنة).

وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للسيد الدكتور/ راغب السرجاني لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.​

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت