إن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى شأنها عظيم، ولها من الأجر الشيء الكثير، لأن مُعلِّم الناس ومُرشدهم إلى الخير هو مُجاهدٌ قد سَلك سبيل الأنبياء والمرسلين، وحَفِظ ميراثهم، وسار على نهجهم في أن يدلوا الناس إلى طريق الحق والصلاح والاستقامة.
حول موضوع ركائز ومقومات الدعوة تحدث فضيلة الشيخ نواف بن محمد السالم، الداعية والمحاضر، مؤكدا أن الفرد المسلم الذي يعيش همَّ الإصلاح في مجتمعه، ويشعر بثِقَل المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه أمَّته، هو داعية إلى الله تبارك وتعالى، يخطئ من يظن أن الدعوة إلى الله قاصرة على خطيب أو عالم أو طالب علمٍ، القضية في حياة المسلم متكاملة، لأن المسلم رجل دين ودنيا، من هذا المنطلق فكلنا دعاة إلى الله تبارك وتعالى، بل إن الدعوة في بعض الأزمنة والأمكنة ربما كانت أعظم من القتال ومقارعة الكفار في ميادين الوغى، لأن الدعاة عليهم مسؤولية جسيمة، منهم يتعلم الناس الحلال من الحرام، ويعرفون التوحيد من الشرك، والسُنة من البدعة، والفضيلة من الرذيلة، ويعبدون الله على بصيرة، من ثم كان الدعاة في كل زمان هم أهل الله وخاصته.
وعلى هذا فإن هناك طريقتان للدعوة:
الطريقة الأولى هي الدعوة الفردية؛ أن يقوم الإنسان بمفرده بمبادرات بسيطة، كأن يدعو إلى حضور درس ديني، أو يُذَكِّر بسُنة، أو يُحذِّر من مخالفة، أو يشارك في توزيع كتيب، أو مجرد أن ينشر رابط، أو مقطع به موعظة مفيدة، كل هذه الأمثلة البسيطة لا يعجز عنها أحد، خصوصا في زمننا هذا حيث سهلت التقنيات الحديثة الأمور وجعلت الدعوة الفردية ميسرة وفي مقدور الجميع.
الطريقة الثانية هي الدعوة الجماعية؛ كالمحاضرات الجماهيرية، والدورات، ومجالس العلم وما في حكمها.
ونحن إذ نعيش في زمن الإنترنت والتواصل الافتراضي، فإن هذه الوسائل الحديثة قد فتحت آفاقا جديدة للعمل الإسلامي نفع الله بها نفعا عظيما، واليوم تعد مواقع التواصل الاجتماعي من أقوى سبل الدعوة إلى الله، فرب محاضرة واحدة يتم نشر رابطها، أو مقطع واحد يتم بثه يكون سببا في هداية ونفع آلاف البشر في أصقاع الدنيا.
إلا أنه ينبغي التنبه إلى بعض المحاذير التي قد تجُر إلى الوقوع في التعصب والتحزُّب حين يتحمس بعض الناس إلى عالم أو داعية، ويناوئون آخر، هذه الأمور مع الزمن قد تتطور إلى ما لا يحمد عقباه، وينزلق المسلمون في منزلقات خطيرة.
من هنا يمكن القول بأن الدعوة الصحيحة تقوم على عدة ركائز:
الركيزة الأولى هي العلم، الدعوة التي لا تقوم على أسس علمية متينة، تُفسِد أكثر مما تصلح، ينبغي أن تكون القاعدة الأولى للدعوة هي قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، دعوة منضبطة بالأدلة من الكتاب والسنة، دون تقعر أو تنطع.
الركيزة الثانية هي العمل؛ فالقدوة الحسنة هي من أعظم صور الدعوة الصحيحة، أن يعمل الداعي إلى الله بمثل ما يقول للناس، وألا يتناقض فعله مع خطابه، ينبغي على كل إنسان حين يتصدى للعمل الدعوى أن ينتبه أن النفوس مجبولة على حب التأسي والاقتداء، لذا عليه أن يجتهد في أن يطبق ما يقول، وينتفع هو بعلمه قبل الآخرين.
الركيزة الثالثة هي الرفق عند بذل النصح، وأن يجتهد الداعي إلى الله في تحري اللين وطيب العبارة عند ابداء النصيحة للناس، وليعلم أنه مسؤول - بقدرٍ ما - عن تشكيل وعيهم، وأن طريقته في الدعوة لها أكبر الأثر في طريقة تطبيقهم فيما بعد لتعاليم الدين.
الركيزة الرابعة والأخيرة هي الصبر، أن يلتزم الداعي إلى الله الصبر على الناس، خصوصا مع الأهل والمقربين، وهنا تجدر الإشارة أنه ينبغي على كل شاب أنعم الله تبارك وتعالى عليه بالالتزام، أن يترفق بوالديه ويصبر عليهما، وألا يتجاوز في حقهما إذا ما رأى منهما شيئا من التقصير، فالداعية حين يتأدَّب بأدب الإسلام، فإنه بذلك يرسم صورةً حسنة للدين وأهله، ويقدِّم البرهان العملي لكل الناس على أن الاستقامة ممكنة، ويطمئنهم أن المنهج ميسور لا عَنتَ فيه ولا تَعسُّف.