22 نوفمبر 2024 | 20 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ فيصل علوش العتيبي : احذروا من ترك الطاعات بعد مواسم الخير

19 أكتوبر 2014

بعد أن انقضى موسم الحج، وانتهت تلك الرحلة الإيمانية التي قام بها ضيوف الرحمن إلى مهبط الوحي، ليقفوا بين يدي الله بقلوب معلقة بالرجاء، أن يمحو الله خطاياهم ويغفر ما تقدم من ذنبهم، ها هم قد عادوا إلى بيوتهم فرحين بما آتاهم الله من فضله، مستبشرين أنهم رجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم، أنقياء من الذنوب والآثام، إلا أن كثيرا من العلماء يرى أنه من الخطأ أن يظن المرء أن مواسم الطاعات هي فرصة للتخفيف من الذنوب فقط، ثم إذا انقضت تلك المواسم، وقع المرء في غيرها من المخالفات، بعد أن انتهت فترة إقباله على الطاعات بانتهاء هذه المواسم، غير مدرك أن مواسم الخير هي فرصة عظيمة لتحول واقعه بالكامل؛ من حياة الغفلة والإعراض، إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله، وأن من علامات إضلال الشيطان وخداع النفوس الأمارة بالسوء أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه ويعود إلى معاصيه.

أعظم الكرامة هي دوام الاستقامة

يقول الشيخ فيصل علوش العتيبي – معلم وخطيب بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية - نحن في أيام أعقبت الحج، فمن وفقه الله وأعانه على أداء الفريضة فليحمد الله عز وجل، وليختم حياته بالصالحات، فمن سَلِم له حجه فقد سَلِم له عمره، ومن كتب له الله حج النافلة بعد الفريضة، فليحافظ على أجره ولا يبطله بالسيئات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام يهدم ما كان قبله، والحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم، أي يكفر الذنوب، أما من لم يُقَدِّر له الله الحج هذا العام، فإن العشر من ذي الحجة قد أعطته من الخير الكثير، فليدم على الاستقامة، فإن أحسن أحوال العباد هي دوام الاستقامة حسبما يؤكد الشيخ العتيبي – وأعظم الكرامة هي الاستقامة على طاعة الله، عن سفيان الثوري قال: قلت يا رسول الله قل لي قولا لا أسأل عنه بعدك، قال : قل آمنت بالله ثم استقم، أخرجه أحمد والنسائي، يرى الشيخ العتيبي أن هذه الجملة المختصرة قد حوت الدين كله، فيها الفلاح والسعادة، والإيمان بالله والاستقامة على ما أمر والبعد عما نهى عنه، وفي الآية: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) الأحقاف 13 ، توعد الله وأرصد لمن لزم استقامته، ألا يخاف ولا يحزن في الدنيا والآخرة.

ويحذر فضيلة الشيخ من اتباع الهوى ومقارفة المنكرات بعد ما كان من السداد والطاعة، فقد يؤدي ذلك إلى أن يغير الله أحوال المرء وقد تنتكس عليه أموره، مصداقا لقول الحق سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد 11 ، وقوله (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) الصف 5 ، فكم من أناس انقلبت عليهم الدنيا، وتعسرت أمورهم بسبب تبديلهم لأحوالهم من بعد الطاعات، فمن تحول عن الطاعة وركن إلى التقصير والتهاون، بدل الله حاله من الخير واليسر والتوفيق، إلى العسر والتشتيت.

قليل من العمل خير من التَرك

ويضيف الشيخ العتيبي، أن من الفضائل العظيمة، بعد المداومة والاستقامة على الطاعات، أيضا اتباع السيئات الحسنات فتمحُها، يقول المولى عز وجل (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) هود 114، والسؤال؛ ما الحل إذا ما وقع الإنسان في المعصية بعد فترة من دوام الاستقامة على الطاعة؟ يجيب الشيخ فيصل العتيبي أن الحل جاء مباشرا عبر الامتثال للإرشاد النبوي الكريم ( فاتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي.

من ناحية أخرى يرى فضيلة الشيخ أن أسوأ أحوال الإنسان أن يتبع الحسنات بالسيئات التي قد تضيعها وتبطلها، ثم بعد ذلك يتبع السيئات بالسيئات، لأن المعاصي المتتالية قد تنقص ثواب الصالحات وربما تبطل العمل في نهاية المطاف، يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ محمد 33، فالمسلم الذي منَّ الله عليه بعشر ذي الحجة، أو رزقه حج الفريضة أو النافلة، ووفقه فيها لآداء الطاعات من صوم وإنفاق وذِكر وقربات، نال فيها الكثير من الحسنات وضاعف الله له من الأجور، لا ينبغي له أن تفتُر عزيمته بعد كل هذا الجهد، وأن يفرط في كل ذلك باقتراف المعاصي والتهاون في حق الله فيما بقي له من عمر، فمن فتح الله له بابا للخير ، يجب عليه أن يلزمه، بل ويزيد عليه أبوابا أخرى، فإن الحسنة تجُر الحسنة، والسييئة تجُر السيئة، ويشدد الشيخ على أن ترك الطاعة مذموم في الشريعة، فاحذروا من التَرك، فقليل من العمل الصالح خير من تركِه كله، وداوموا الاستقامة كما أمر الله رسوله والمؤمنين في الكتاب (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) هود 112.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت