الغضب من أمراض القلوب الخطيرة التي لا يكاد يسلم من آثارها وتبعاتها أحد، إلا من عصمه الله تبارك وتعالى، فكم من الناس من أوقعه غضبه في المهلكات، وأورثه الندم بعد ذلك، وكم من الناس من خسر أهله وذوي رحمه بسبب نوبة غضب لم يستطع السيطرة عليها، وليس أدل على عِظم الأمر من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرَعة؛ إنما الشديد الذي يَملك نفسه عند الغضب" [متفق عليه].
حول قضية الغضب وعواقبه وسبل علاجه تحدث فضيلة الشيخ عمر رشيد الزبيدي، الداعية والخطيب، مؤكدا أن جميعنا عُرضة للغضب، فما أكثر تلك المواقف الحياتية التي تثير استياء المرء منا، في البيت، في العمل، في الطريق، لكن الفيصل هنا هو قدرة المرء على ضبط النفس والسيطرة على الانفعال.
والغضب في حقيقته هو مدخل الشيطان لإيقاع الخلق في الملمات، وربما إيقاعهم في الكبائر أيضا، وقد يصل الأمر إلى حد الكفر والعياذ بالله، ولهذا سمي الغضب بأنه مفتاح الشرور، فمنذ عصر قابيل وهابيل وحتى يومنا هذا نجد أن أغلب جرائم القتل ترجع إلى نوبة غضب أودت بصاحبها، ولهذا فالأمر لا يستهان به، لأنه حين يصل الغضب بإنسان ما إلى مرحلة أن يُغلَق عليه، وتسيطر عليه الرغبة في الانتقام، حينئذ سيرتكب أشد الجرائم.
من ناحية أخرى، لو نظرنا إلى أغلب أسباب قطيعة الرحم نجد أن الغضب على رأس هذه الأسباب، قد تكون مشاحنة بسيطة بين أخ وأخيه، أو بين ابن وأبيه، فيتصاعد الغضب حتى تقع بينهم قطيعة قد تستمر لسنوات، هكذا تُقطَّع الأرحام بين الأهل لأهون الأسباب.
كذلك لو فتشنا عن أسباب الخصومة بين الجيران سنجد أنها مواقف عابرة تَسبب الغضب في تصعيدها وإفساد العلاقة حتى وصل الأمر للقطيعة.
أما مسألة العلاقات الأسرية والزوجية فحدّث بها ولا حرج، فلو سألنا مستشارا أسريا، أو لو بحثنا في معظم القضايا الأسرية في المحاكم لوجدنا أن السبب الأول في حالات الطلاق هو الغضب، جل حالات الفراق كانت بدايتها نوبة من الغضب.
غير أننا حين ننظر إلى موقف الشرع من الغضب سوف نجد أن كظم الغيظ والعفو عن الناس هما من الإحسان الذي يحبه الله عز وجل، والآيات التي تحث على الصبر والحلم كثيرة، كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام قد أوصى أمة الإسلام وصية عظيمة، جامعة نافعة، لو تأسى بها الناس لسلموا من شرور كثيرة، حين جاءه رجل وقال له أوصني يا رسول الله، قال له عليه الصلاة والسلام كلمتين: "لا تغضب" [رواه البخاري]، هذه الوصية الموجزة لو طُبقت بحق سيكون لها أثر عظيم في صلاح الفرد، وفي صلاح المجتمع كذلك.
لا شك أن العبد إذا رُزق الحلم والحكمة في المواقف التي تستدعي الغضب، فقد وفقه الله تبارك وتعالى وحفظه من شرور نفسه، وقدوتنا الأعظم في الحلم وضبط النفس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يغضب لنفسه قط، مهما أوذي، إلا أن تُنتهك محارم الله، فكان يغضب فقط لدين الله.
علاج الغضب
يقول فضيلة الشيخ أن هناك عدة خطوات تساعد في علاج نوبات الغضب والحد من آثارها وعواقبها، أولها وأعظمها على الإطلاق هو التوحيد، فكلما تعلق الإنسان بالله عز وجل، كان أكثر قدرة على التحكم في انفعالاته وفي ردود أفعاله في المواقف الشديدة، فيا أيها الغاضب، داو قلبك بالتوحيد.
ثانيا: الذِكر والاستعاذة من الشيطان، أسرع وصفة تطفئ جمرة الغضب أن يستعيذ الإنسان من الشيطان الرجيم، هذا العلاج مجرب، حين يُذَكِّر أحدنا أخاه ساعة الغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان، سرعان ما تنحل العقدة، ويستعيد رُشده، ويتغير حاله من الصراخ والهياج إلى الهدوء والسكينة، كل هذا بجملة واحدة؛ "أعوذ بالله من الشيطان".
ثالثا: السكوت قدر المستطاع، عند حدوث المشادات الكلامية وارتفاع الصوت من جميع الأطراف، السكوت يعتبر علاجا سريعا يخفف من حدة الموقف، ويساعد في انهاء المشكلة، فإن علم المرء في نفسه أنه لا يقوى على السكوت وقت الغضب، فالأفضل له ترك المكان فورا، هذا هو التصرف الأمثل في حالة المشادات الزوجية، إذ أنه ينقذ الكثير من البيوت.
رابعا: الوضوء وتغيير الوضعية، الوضوء يطفئ الغضب، كذلك تغيير الوضعية يفيد في كسر حدة الموقف؛ إذا كان الغاضب واقفا، فليجلس، أو يبتعد قليلا عن المكان، هذا يساعد في تهدئة الأمور.
خامسا: إدراك عواقب الغضب، في الدنيا والآخرة، وأن يحذر الإنسان من أن يُختم له بسوء الخاتمة بسبب غضبه.
وقبل كل ذلك وبعده الدعاء، أن يسأل المرء الله تبارك وتعالى أن يصلح قلبه، ويهديه، ويذهب عنه هذا الداء المهلك، فالله سبحانه جل وعلا حليم مجيب الدعاء، من اعتصم به ولجأ إليه وقاه شر نفسه، ورزقه الحلم والسكينة.