24 نوفمبر 2024 | 22 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ علي الشبيلي: الأخلاق القرآنية تعين على التعاطي مع الأزمات دون جزع

11 يونيو 2015

هذه الدنيا التي نعيشها جُبِلت على كَدَر- كما قال الشاعر القديم – فالإنسان في كَبَد ومعاناة منذ المولد حتى الممات، والدنيا جعلها الله تبارك وتعالى محطة ابتلاء، قد يمر بالمرء ابتلاءا فرديا يطاله وحده أو يطال أحد من ذويه وأعزائه، وقد تتسع الابتلاءات لتطال مجتمعات ودول، وقد تسبب هلاك جماعات من الناس أو تضيق عليهم أحوالهم، هذا الابتلاء يسمى في عصرنا الحديث "الأزمة" ، وقد عرفها بعض المختصين بأنها الهَمَّ الذي يستمر في حياة الأفراد والجماعات لفترات زمنية قد تطول أو تقصر، وعرَّفها البعض الآخر بأنها وصول مشكلة ما إلى المرحلة التي تسبق الانفجار، ومع مرور السنوات وتعاقب الأزمات نشأت تخصصات علمية تُعنى بإدارة الأزمات والكوارث في شتى بقاع العالم، فما هي أفضل السبل لدينا للتعاطي مع أزمات مجتمعاتنا المسلمة المعاصرة ؟ 

    يتحدث فضيلة الدكتور علي بن محمد الشبيلي – عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود – عن فقه إدارة الأزمات، أن أي أزمة تمر بدورة من أربعة مراحل؛ أولا مرحلة ميلاد الأزمة، الذي يكون في العادة عبر موقف بسيط وعابر لكنه ينتشر في المجتمع بسرعة رهيبة بفضل وسائل الاتصال الحديثة، أو تصرفات غير منضبطة تصدر عن شباب في مقتبل العمر، لم يلتفت إليها المربون وأولياء الأمور في حينها، ولم يكونوا على قدر من اليقظة والوعي للهنات العابرة من الأبناء، التي ربما هي بدايات لمشكلات وانحرافات قد تكون قاصمة لظهر الأب إن لم يحتويها في مهدها.
 
  المرحلة الثانية من دورة الأزمة؛ هي مرحلة نمو واتساع الأزمة، فالمشكلات تنمو وتتضخم إذا وجدت مغذيات ، إما داخلية من المنزل أو المجتمع، وإما خارجية بفعل أطراف لها مصلحة في إيقاد نار الفتنة واستمرار اشتعالها، هنا ينبغي علينا في هذه المرحلة أن نحاول أن نتحرى أكبر قدر من المعلومات الصحيحة، لأن في هذا الوضع تكون نسبة المعلومات الصحيحة الصادقة قليل وأكثرها شائعات وأكاذيب تهدف إلى زرع الضغائن وسوء الظن بين الناس.
 
المرحلة الثالثة هي مرحلة قمة نضج الأزمة، حيث توشك الأمور على الانفجار، هنا ينبغي أن نتسم بأقصى قدر من الحكمة لننزع فتيل هذه الأزمة، سواء أكانت أزمات شخصية عائلية أو كانت على مستوى المجتمع ، بعض الناس تأتيه لحظات من العناد والثقة المفرطة نتيجة بجهله بحجم هذه القضية أو خطورتها، فيبدأ في التعنت والمكابرة، فيكون سببا في تفاقم الأزمة أكثر من معالجتها، والحقيقة أنك من الصعب أن تعيش في هذا العالم دون أن تنحني قليلا، وإلا ستخسر كثيرا في معاملاتك مع الآخرين.
 
المرحلة الرابعة هي مرحلة تقلص وانحسار الأزمة، إلا أن كثير من الأزمات لا تموت، فقط تنحسر وتخبو قليلا، وتنتظر الفرصة لمعاودة الظهور، خاصة إذا لم يكن ثمة علاج حاسم لها في الوقت المناسب، ولهذا تلاحظون إن مشكلات بعض الشباب في بلادنا تستمر لعشرة وعشرين سنة، تخبو وتظهر بين وقت وآخر، دون أن تجد لها نهاية حاسمة. 
 
    يؤكد الدكتور الشبيلي أن هناك أخلاقيات قرآنية عظيمة تساعد على التعاطي مع الأزمات دون جزع؛ مثل خلق الصبر، والحلم، والحرص على عدم اتساع المشكلة ومعالجتها في أضيق نطاق ، خاصة داخل بيوتنا وبين بناتنا وأبنائنا، دون اطلاع أطراف خارجية بتفاصيل وأخبار يصعب محوها فيما بعد انتهاء الأزمة، يقول الله تعالى } وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا{ آل عمران 120.
 
 أيضا مثل خلق التقوى والعزم والمبادرة، يقول عز وجل } لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{ آل عمران 186، فلا تكن باردا خاملا – يقول الشيخ - كن جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة، فالشخص المبادر عنده درجة عالية من الاحتساب والعزم، يضع أفكاره دائما في حيز التنفيذ ، دون تردد أو مماطلة، أما تعليق الأمور فلا يزيدها إلا سوءا وتعقيدا، وكلما كان الإنسان حاسما في اتخاذ المواقف المبادرة في وقت الأزمات دون تردد، كلما كان موفقا بإذن الله، فالشخص المبادر هو الذي يوقن أن ((الريموت كنترول)) دائما في يده هو، لا في يد غيره، كم أفسد علينا التردد من أوقات وأعمار، فهناك ملفات كثيرة لا تزال عالقة، لا تجد من يلتفت لها ولا من يشرع في تنفيذها، لأن كثير من العائلات تفتقر إلى جهد المبادرين، وهناك الكثير من المشاريع الدعوية تموت بسبب أنه ليس هناك من يعتني بها أو يبادر بتبنيها.
    تجد أن بعض المجتمعات المتقدمة لديها خطة إستراتيجية لعشرين سنة قادمة، لماذا ؟ لأن ثمة مراكز بحوث تغذي أصحاب القرار بالمعلومات التي يستطيع من خلالها أن يُكوِّن رؤية بعيدة المدى، ولهذا لما بدأت الصحوة الإسلامية في بلادنا، قامت مراكز بحثية كبيرة في الغرب بدراسة هذا الصحوة للخروج بنتائج حول سبل التعامل معها. 
الآن إذا أردنا أن نعرف حجم مشكلة معينة ، كالطلاق مثلا أو العنوسة أو الإدمان ، هذا كله يحتاج إلى معلومات ومراكز بحوث وباحثين للتحقيق والتوثيق، وخبرات متراكمة، ورؤى مستقبلية، لهذا يرى الدكتور الشبيلي أن من أوجب الواجبات على المجتمعات المسلمة، تكثيف مراكز البحوث، لدراسة واقع المجتمع ثم الخروج برؤية صحيحة، مواكبة للمتغيرات، يستطيع الشيخ أو المربي أو صاحب القرار أن يتكئ عليها عند اتخاذ خطوات في علاج أي أزمة.
  من ناحية أخري، يرى الشيخ أن للأزمات فوائد رغم كل شيء؛ فهي توقظ النفوس الغافلة، وتحفز الهمم على التوبة والإنابة، والتضرع إلى الخالق ليرفع البلاء عن عباده، كما أن الأزمات تُمَحِّص الناس حتى يظهر الحق بلا غَبش، ويستقر في قلب المسلمين أن وقوع البلايا لا يأتي مصادفة، وإنما هي سنة كونية جعلها الله حَكَما بين الناس في الأرض، حتى يؤوب العاصي، ويعترف المقصر، ويميز الناس بين منهج السلامة وبين سلامة المنهج، يقول عز من قائل: } وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ { الشورى: 30.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت