09 نوفمبر 2024 | 07 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ عاطف مسعود: أفضل ما نستهل به شهر الصيام توبة صادقة

20 مايو 2018

إن شهر رمضان المبارك مدرسة تربوية عظمى، تربِّي المسلم على المبادِئ الفُضلى، والأخلاق القويمة، استنادا إلى منظومة روحية وأخلاقية راقية، تكفل أحكامها الشرعية صلاح المجتمعات وسعادة الأفراد.
حول السمات والمعايير الأخلاقية التي ينبغي أن يلتزم بها كل صائم، تحدث فضيلة الشيخ عاطف إبراهيم مسعود، الداعية والمحاضر، مؤكدا أن حُسْن الخُلُق له مكانة وأهمية كبرى في الإسلام، فقد جمع حُسْن الخُلُق خيري الدنيا والآخرة، حيث أنه محصلة الرسالة النبوية، كما أن أصحاب الخلق الحسن هم أقرب الناس إلى رسول الله وأكثرهم شبها به - عليه الصلاة والسلام - وهو الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق.
وعلى هذا فإذا كان رمضان هو موسم المتقين، ومتجر الصالحين، فهو في الوقت ذاته منحة لتزكية النفوس وتخليصها من الأدران والأوزار، وتحصينها بأخلاق الصيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) [رواه البخاري].
وأخلاق الصيام كثيرة، أهمها الإخلاص لله عز وجل، لأن محور ارتكاز الدين هو الإخلاص لله تبارك وتعالى، وعلمائنا الأجلاء حين يبدأون مدارسة العلم يبدأون بباب الإخلاص واستحضار النية في جميع الأمور الظاهرة والخفية، وربنا جل وعلا لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه، فحين يجتمع الإيمان والإخلاص في العمل، يتحقق القبول والغفران.
من أخلاق الصيام أيضا المراقبة، لأن الصوم سر بين العبد وربه، وهو العبادة الوحيدة التي لا يخالطها الرياء، إذ لا رقيب على الصائم في امتناعه عن الطيبات إلا الله وحده، وفي الحديث القدسي يقول رب العزة: (الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي به) [رواه أحمد]، كما أن الصيام يهذب النفس وينير القلب، ويعلم الصبر، مصداقا لقول النبي: صلى الله عليه وسلم (الصيام جُنَّةٌ فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم) [متفق عليه].
إن رمضان مدرسة للصبر والشكر، والجود وصلة الأرحام، لأن الإنسان حين يحرم من النعمة ويصبر على هذا الحرمان المؤقت، ثم ينالها من بعد جهد ومشقة، حينئذ سيشكر الله على نعمه وآلائه، وستمتد يده بالإحسان للجائع والمحروم وذي الحاجة، قريبا كان أم بعيدا.
ولعل أفضل ما نستقبل به شهر الصيام توبة صادقة، توبة عن كل ما مضى، وفتح صفحة جديدة، طلبا لعفو المولى تبارك وتعالى، وابتغاءا لمرضاته {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، غير أن التوبة لها شروط ثلاثة؛ الإقلاع عن الذنب، والندم، ثم العزم على عدم العودة لاقترافه مجددا، هذا إذا كان الذنب في حق الله عز وجل، فإن كان الذنب في حق إنسان، أضيف شرط رابع وهو رد الحقوق لأصحابها، فخير ما يبدأ به المسلم شهر الصيام أن يرد المظالم والحقوق إلى أهلها.
إن الفرصة ماثلة أمام كل مسلم أن يتوب ويرجع إلى الله في هذه الأيام المباركة، فالحمد لله الذي فتح أبواب رحمته لمن داوم على طاعته، وجعل السعادة للصائمين القائمين الخاشعين، الذين صانوا صيامهم عن اللغو والصخب، فكانوا هم الفائزين.
من أجل هذا ينبغي أن يستمر خلق الصيام بعد انقضاء رمضان، فلو أن الناس التزموا بما تخلقوا به أيام صومهم، لن نجد خائنا ولا مرتشيا ولا قاطع رحم، ودائما ما كان علماؤنا الأفاضل يقولون لعموم الناس: كونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين، لأن رب رمضان هو رب بقية الشهور، فلنجعل شهر رمضان بمثابة معسكر للإعداد، لا ينبغي أبدا التهاون في أداء العبادات والطاعات بعده، لئلا نكون فيما ذكرتهم الآية: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [النحل:92].

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت