الإسلام هو دين الوسط، الكفيل بسعادة الدنيا والآخرة لأن هذا الدين قد قرر تعاليم متينة وسمحة وفي الوقت ذاته يسيرة في تطبيقها، لأجل حفظ مصالح العباد وعمارة الدنيا والآخرة، فهو دينٌ يهتمّ بدعوتنا إلى العبادة وتزكية النفس وتهيئة موجبات السعادة الأخروية الأبدية بقدر اهتمامه بدعوتنا إلى تحصيل وسائل العيش وعمارة الدنيا، فهو خلافاً لسائر الأديان والقوانين الموضوعة لأجل إصلاح البشر وتربيتهم- لا يعتبر الدنيا والآخرة أمران منفصلان عن بعضهما لا ارتباط بينهما بل يهدف إلى اعتبار كل منهما مرتبطاً بالآخر ومتصلاً به ويجعل حياة الإنسان في كلٍّ من المرحلتين مرتبطة بحياته في المرحلة الأخرى بشكل كامل، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ القصص 77.
يقول الشيخ طلال مساعد العامر أن الإسلام خاتم الأديان والمهيمن على الرسالات،هو خير الأديان وأفضلها، وأتم الشرائع وأكملها، أودعه الله تعالى من الحكمة والعدل، وكساه من النور والوسطية والفضل، ما جعله دينا قيما خالدا يلبي حاجات الروح والجسد، ويحفظ للبشرية حياتها وقوامها، ويجمع بين مصالح الدنيا والآخرة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران 110، ويقول الله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) البقرة 143، وقد قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية أنه كما أن الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطا، أي جعلناكم في منزلة رفيعة، دون الأنبياء و فوق الأمم، ويرى الشيخ طلال العامر أن الوسطية الحقة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم، قبل أن تنبت الفرق المضللة.
يقول الشيخ أن للوسطية في ديننا مظاهر كثيرة؛ فمنها الوسطية في العلم والعمل، فالإسلام يأمر بطلب العلم النافع، ليقع العمل موافقا لمراد الشارع، ومن مظاهر الوسطية في ديننا كذلك؛ الاعتدال في التعامل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلسنا كالمؤذين لأنبيائهم، ولسنا كمن عبدوا نبيهم، فالرسول حقه وسَطٌ بين أهل الجفاء والإضاعة ممن تركوا سنته وهجروا شريعته، وبين أهل البدع والغلو ممن ألّهوه واعتقدوا فيه ما لا يصح له، فعن أبي هريرة رضي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) رواه البخاري.
ويتابع الشيخ أن من مظاهر الوسطية في ديننا ما يتعلق بشرعية الجهاد في سبيل الله تعالى، فقد كان الرسول الكريم إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ، أوصاه في خاصتِه بتقوى اللهِ ومن معه من المسلمين خيرًا. ثم قال ( اغزوا باسمِ اللهِ في سبيلِ اللهِ . قاتِلوا من كفر باللهِ . اغزوا ولا تَغُلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمَثِّلوا ولا تقتلوا وليدًا ) رواه مسلم، فلا يُعرف في تاريخ الفتوحات الإسلامية أنها أبادت شعوبا كما فعلت أمم أخرى من أجل استعمار الأرض، أو استعبدت شعوبا كما فعل آخرون عن طريق الغزو والعدوان، إنما كانت الشعوب تدخل الإسلام طواعية، فمن أبى فإنه يعيش على دينه، دون إكراه أو ترهيب.
والخلاصة أن حكمة الله تعالى ومراده أن جعلنا أمة وسطاً لنكون شهداء على الناس وحجة على الأمم الأخرى، وبعبارة أوضح، تقول الآية: إن الله وضع مهمة إصلاح وتربية النفوس على عاتقكم يا أمَّة الإسلام، ومنحكم دستوراً جامعا لكل حقوق الإنسان، ضامنا لسعادة البشر في دنياهم وأخراهم .