**يجب على المسلم أن يحث أهله وأولاده وينشطهم ويرغبهم في العبادة والاستفادة من ساعات الليل
**لا لتضييع هذه الأوقات المباركة في القيل والقال وفي المجالس المحرمة والاجتماعات الآثمة
** العشر الأواخر خاتمة شهر رمضان و الأعمال بالخواتيم وعسى أن يدرك المسلم ليلة القدر وهو قائم لرب العالمين
العشر الأواخر خاتمة شهر رمضان الفضيل, لأن الأعمال بالخواتيم، كما ورد في الحديث، و في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر "رواه البخاري، ومسلم"، ولعل الإنسان يدرك فيها ليلة القدر وهو قائم لرب العالمين، فيغفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي هذا السياق يقول فضيلة الشيخ جعفر الطلحاوي إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد في العشر الأواخر من رمضان أملا في إدراك ليلة القدر فهي سُرَّة العشر الأواخر بل سُرَّة الشهر بل سُرَّة الدهر كلِّه، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" وفي رواية: في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" [رواه البخاري، ومسلم].
ليلة عظيمة
وتابع الشيخ الطلحاوي في خواطره حول فضائل هذه الأوقات المباركة : إنها ليلة عظيمة شرفها الله تعالى، وجعلها خيراً من ألف شهر، في بركتها وبركة العمل الصالح فيها، فهي أفضل من عبادة ألف شهر وهي عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، واختار الله تعالى هذه الليلة المباركة لبدء تنـزيل القرآن، وعلى المسلم أن يعرف قدرها، ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى، لعل الله عز وجل أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. وقد حذّر النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها لئلا يحرم المسلم من خيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم".(رواه النسائي)
فضل ليلة القدر
وفي فضلها ذكر الشيخ الطلحاوي أنه جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" .. [رواه البخاري ومسلم]، ومن عظيم فضلها أن من قامها إيماناً واحتساباً غفرت ذنوبه، ونزل في هذا الفضل آيات تتلى إلى يوم القيامة قال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم، وقال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة القدر *وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر* تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر{.
بركة ليلة القدر
ومن بركتها أن الله تعالى أنزل القرآن فيها، وتنزُّل الملائكة فيها، وأنها خير من ألف شهر، وأنها سلام حتى مطلع الفجر. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: (تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له).
الدعاء
ودعا المسلم إلى أن يكثر من الدعاء في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. ويدعو بما أرشد إليه النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"، وقال ابن كثير رحمه الله: (ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات. وفي شهر رمضان أكثر. وفي العشر الأخير منه. ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني").
حال الرسول في العشر الأواخر
و حول حديث رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر "رواه البخاري، ومسلم" قال الشيخ الطلحاوي: إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وصفت نبينا وقدوتنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في العشر الأواخر بأربع صفات: الأولى: قولها (أحيا الليل) أي: سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه، وأحيا الليل: أي غالبه، أو كله، والظاهر غالبه، لخبر عائشة: ما علمته قام ليلة حتى الصباح, ولم يرو صريحاً أنه عليه الصلاة والسلام ترك النوم في الليل جميعه, لأن النوم أخو الموت، كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أفي الجنة نوم؟ قال: (لا النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها). أخرجه الدارقطني.
الثانية: قولها (وأيقظ أهله) أي: أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ ليشاركنه اغتنام الخير والذكر والعبادة في هذه الأوقات المباركة, وحتى لا يتكلن على كونهن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم.
الثالثة: قولها (وجدّ) أي: اجتهد في العبادة زيادة على عبادته في العشرين الأوّلين. وذلك لأن في العشر الأواخر ليلة القدر.
الرابعة: قولها (وشدّ المئزر) أي: جدّ واجتهد في العبادة, وقيل: اعتزل النساء، وهذا أظهر لعطفه على ما قبله، وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار.
ولحديث أنس رضي الله عنه: (وطوى فراشه واعتزل النساء) ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر والمُعْتَكِف ممنوعٌ من النساء, قال تعالى "ولا تباشروهن أنتم عاكفون في المساجد" البقرة:187
وشدد على ضرورة حرص المسلم على هذه الأربع متحليا بالصبر على طاعة الله تعالى، فى هذا الشهر صياما وقياما فهي – والله – فرصة العمر، وغنيمة الدهر لمن وفقه الله تعالى. وما يدري لعل الإنسان تدركه فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة.
حال السلف الصالح
وأشار إلى أن السلف الصالح كانوا يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيهم صلى الله عليه وسلم، يقول السائب بن يزيد (أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيّ بن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر).
مجاهدة النفس
و إن الزيادة في العشر الأواخر تحمل على التطويل في التلاوة والزيادة فيها دون الزيادة في عدد الركعات . وعن عبد الله بن أبي بكر قال: (سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر)، مؤكدا أن المؤمن في رمضان يجب أن يجاهد نفسه بالنهار صياما وبالليل قياما إلى آخر هذه الطاعات التي لا تجتمع إلا في رمضان, فمن وفى هذه العبادات حقها فهو من الصابرين الذين يوفَّون أجرهم بغير حساب.
ودعا المسلم أن يحث أهله وأولاده وينشطهم ويرغبهم في العبادة والاستفادة من ساعات الليل، محذرا من ضياعها في القيل والقال في المجالس المحرمة والاجتماعات الآثمة .
وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للشيخ/جعفر الطلحاوي لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.