19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ بدر الفيلكاوي: أنت ابن يومك فلا تلتفت إلى ماض يحزنك ولا تهتم لغد قد لا تدركه

15 أكتوبر 2017

السعادة والطمأنينة غايتا كل إنسان في هذه الحياة، يظل في رحلة بحث عنهما حتى الممات، يتلمس أسبابهما، ويسعى نحو تمامهما، ويسلك كل مسلك يجنبه المعاناة والألم، ويمنحه قدرا ولو يسيرا من الهناء وانشراح الصدر. والله جل وعلا حينما أنزل دينه إلى خلقه، فإنه سبحانه أنزله لغاية سامية؛ ألا وهي أن يزيكهم ويطهرهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الخوف والهم إلى الأمان والطمأنينة، فلم ينقذ البشرية من كل سوء وشقاء إلا دينه سبحانه.
   بهذه الكلمات استهل فضيلة الشيخ بدر الفيلكاوي – الداعية والخطيب حديثه عن بحث المرء طيلة رحلته الحياتية عن أسباب الطمأنينة وراحة النفس، مؤكدا أن الله جل شأنه قد وعد كل من آمن به، وامتثل إلى أوامره، أن يسعده ويرزقه حياة طيبة في الدنيا قبل الآخرة، {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل:97، والعكس صحيح؛ فقد توعد من يكفر به، ويعرض عن دينه، أنه سوف يعيش في هذه الحياة الدنيا في ضنك، وقلق واضطراب، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ طه:124.
من أجل هذا نجد أن أهل الجنة يفرحون بما أتاهم الله ويحمدون ربهم تبارك وتعالى أن أورثهم جنة ليس فيها هم ولا حزن، ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ فاطر:34، فهذا من أفضل النعيم - بعد رؤية الله تبارك وتعالى- أن تعيش إلى الأبد بلا هم ولا غم، في سعادة حقيقية وفي طمأنينة ورضا.
   إلا أنه برغم ذلك فإن راحة البال نسبية، والسعادة غير دائمة، لابد من بعض المنقصات والمنغصات، فالله عز وجل قد جعل هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار للعباد، لا دار نعيم، فالنعيم الحقيقي هو النعيم الأخروي، حين يكلل سعي المؤمن وكده في حياته الدنيا بالفوز بالجنة والنجاة من سوء العاقبة.
ويتابع فضيلة الشيخ أنه حتى الرسل وهم بشر يصيبهم ما يصيبنا، كثيرا ما أصابتهم في دعوتهم ألام ومنغصات، وعنت وإيذاء وتكذيب، ومشاق كانت أضعاف ما يصيب غيرهم من عوام الناس، إلا أن ربنا كان دوما أعلم بهم وأرحم، يقول عز من قائل: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ الساجدين﴾ الحجر97.
   إذاً كيف كان النبي يعالج همومه؟ كيف كان يطردها من قلبه؟ يجيب فضيلة الشيخ بدر أن المولى جل وعلا قد أمرنا أن نتأسى بنبينا في كل أفعاله، ليس فقط في عبادته وصلاته، ولكن في معاملاته وحياته، فقد كان عليه الصلاة والسلام يعيش يومه ويستغل كل لحظة فيه في سبيل نشر دعوته وأداء رسالته على النحو الأكمل، لا يلتفت إلى ماض، ولا يؤرقه مستقبل، لأن ذلك الماضي أمره انتهى، جميله وقبيحه، فلا جدوى من التفكير فيه، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته ويربيهم على ذات المبدأ، أنك أنت ابن يومك، فليس من حسن إسلام المرء أن يضيع حاضره في حزن على ما مضى، وحمل هموم لمستقبل لم يأت بعد، روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال (أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِك) رواه البخاري.

ولهذا قال بعض السلف: الدنيا ثلاثة أيام؛ أمس فقد ذهب بما فيه، وغد فلعلك لا تدركه، ويوم لك فاعمل فيه، وقيل أيضا: لا تحمل هم الدنيا فإنها لله، ولا تحمل هم الرزق فإنه من الله، ولا تحمل هم المستقبل فإنه بيد الله، فقط احمل هما واحدا؛ أن تنال رضا الله.
   ويختم الشيخ الفيلكاوي بالتأكيد على أن كل منا ابن يومه، لا غده،  «أنت ولد يومك، ابدأ من الآن ولا تنتظر، إذا كانت بينك وبين أحدهم شحناء، فاذهب له اليوم واعف عنه، وابدأ صفحة جديدة، لا تظل تتحسر على ماض كان الناس فيه يصلون وداً ويبرون أرحاما، قم الآن وزر أهلك، وصل ما انقطع، وإذا كنت تنظر لفلان أنه رجل خيرٍ وصدقة، لا تكتفي بالتمني، انفق بدئا من هذه الساعة وزد من صدقتك، ضع نواياك في موضع التنفيذ، استثمر يومك الآن ولا تنتظر، بادر أنت ولا تلتفت لما كان في الماضي، استغل كل لحظة في عمرك وحاضرك في طاعة الله».
  هكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعلينا الاقتداء به حتى تشفى قلوبنا وأرواحنا من منغصات العيش وأمراض العصر.   
 

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت