ينزل البرد والصقيع في بعض بلاد المسلمين هذه الأيام، وتجتاحها العواصف والثلوج، وتصل درجات الحرارة إلى معدلات تحت الصفر، فاشتد الحال، وكثرت المآسي، خاصة في الدول التي تستضيف نازحي الحروب وضحايا التهجير القسري، وأصبحت حال اللاجئين بالخيام كالمستجيرين من الرمضاء بالنار، فسبحان من غيَّر الأحوال، من كانوا بالأمس في ديار مطمئنين آمنين دافئين، أجبرتهم ظروف الحرب اليوم إلى ترك بيوتهم التي كانوا يحتمون بها بعد الله من صنيع الشتاء، وصاروا بلا سكن ولا مأوى، وربما كان أكثرهم حظا من رُزق بخيمة نُصبت بالعراء، وحتى هي الأخرى باتت هذه الأيام لا تقيه من زمهرير الشتاء.
حول هذا الموضوع يؤكد فضيلة الشيخ إبراهيم الغانم – الداعية والخطيب بالمملكة العربية السعودية - إن علاقة المسلم بأخيه تبنيها النصوص المعصومة التي جاءت بالكتاب والسنة، والتي بينت سلامة مقصدها، ونبل غايتها، ( وَتَعَاوَنُواْ عَلى البِرِّ والتَقْوَى) سورة المائدة 2، (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ) رواه البخاري ومسلم، هذه هي العلاقة التي أنشأها الإسلام بين المسلمين، وهذه هي الرابطة الإيمانية التي عقدها ديننا الحنيف بين أبنائه، وهي تُبين بجلاء أن الأمة الإسلامية كالجسد الواحد.
إن اللاجئين الذين هربوا من جحيم القتل والفتن، مستضعفون ومعوزون، يفترشون الثلج ويلتحفون السماء، فروا من بلادهم بحثا عن أمن وأمان على حدود دول مجاورة، فكانت لهم المصائب بالمرصاد، واستقبلهم الشتاء القارس والرياح الثلجية، لا تتوافر لهم الآن أبسط مقومات الحياة.
فيا كل مسلم - يقول الشيخ الغانم - يا من تشعر بآلام الجسد الواحد، تذكر وأنت في بيتك الدافئ، ومؤنة الشتاء بين يديك، من طعام وشراب وطيبات، وأطفال يتقلبون في الثقيل من الثياب، تذكر إخوانك ممن ابتلوا بالأزمات والملمات، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، تبرعوا بقيمة الغطاء والطعام، أروا أولادكم صور المأساة، وأقنعوهم ليتنازلوا عن قيمة بعض الكماليات مساندة لإخوانهم في العراء، تذكروهم وادعوا لهم، فإن زمهرير الشتاء من زمهرير جهنم، فلكل من يتمتع بنعمة الدفء، وتوافر أسبابه ووسائله، من مساكن مغلقة، وملابس ثقيلة، وأجهزة تدفئة وغيرها، اذكروا إخوانكم، فإن حبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول ( مَنْ كانَ لهُ فضْلُ ظَهرٍ فليَعُد بهِ على مَن لا ظَهْرَ له، ومَن كانَ لهُ فَضْلُ زَادٍ فليَعُدْ بِهِ على مَنْ لا زَادَ له ) رواه مسلم، هل يجوز لأحد أن يحتفظ بشيء زائد عن حاجته من مال أو لباس أو طعام، مادام هناك مسلم يئن مستنجدا؟
ونحن في عصر الإعلام والعولمة، نرى كل ساعة صور الأطفال والضعفاء موتى بردا، فيا عجبا! ألسنا في نعمة؟ أوليس الشكر قيدا للنعم ؟ أليس من الشكر أن نذكر إخواننا المساكين والمستضعفين والمشردين؟ فلنقم بواجبنا تجاه إخواننا في الداخل والخارج، خاصة في مثل هذه الأحوال، فهي فرصة للباذلين والمتنافسين، فرصة لبركة المال وزيادته، فإخواننا المسلمون في مسغبة وشدة، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، ولا نعذِّر لأنفسنا الضعيفة بحجج واهية، ليفتح علينا الشيطان باب التيئيس والتخذيل، مرة نقول: "من نعطي ومن نترك؟" وتارة نقول:" لا نجد من ندفع له من الثقات؟" وتارة أخرى نقول: "الأجر أعظم في أولادي وأهل بيتي" وهذا كله من باب التلبيس من إبليس، وهو لا يُغلق إلا بالعزيمة والتوكل على الله حق توكله، فتحسسوا المحتاجين في هذا البرد واقسموا من أموالكم ورغيفكم، وتعاونوا وتراحموا وتكاتفوا، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ) البقرة 110 ، فربما دفع الله عنا وعن بلادنا البلايا بمثل هذه الأعمال الطيبة.