21 نوفمبر 2024 | 19 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

أ.د. إبراهيم الميمن: جل العبادات التي شرعها الله تدعو إلى الاجتماع والتآلف وتنهى عن الفرقة والتنازع

04 مارس 2018

إن الفرقة داء وبيل على الأفراد والأمم، لأنها تغل أيديهم وتشغلهم بالضغائن والصراعات عن الخير والبناء، حتى أنها قد توقعهم في فتنة الاحتراب والتقاتل، فيتعطل المجتمع المسلم عن رسالته النبيلة في الإصلاح والعمران، ويقعد المسلمين عن مهمتهم الجليلة في نشر دعوة الله في آفاق الأرض، متواصين بالحق والعدل، ومتعاونين على البر والتقوى.

   حول موقف الشرع من دعاوى الفرقة والتحزب تحدث فضيلة أ.د. إبراهيم بن محمد قاسم الميمن، وكيل جامعة الإمام لشؤون المعاهد العلمية بالمملكة العربية السعودية، مؤكدا أن الاجتماع هو غاية المؤمنين، ومقصد الموحدين، ودعوة الأنبياء والمرسلين، فاجتماع كلمة الناس وتوحد صفهم على كتاب الله وعلى سنة رسوله، وعلى طاعة ولاة أمرهم، هو مقصد من مقاصد الشرع، فالمؤمنون لا يفرقون الصف، ولا يجيشون الناس ضد ولاة الأمر، ولا يكونون سببا في انقسام المسلمين وتقويض وحدة أمتهم تحت أي مسمى أو مبرر.
 ولقد تنوعت الدلالات في كتاب الله وسنة رسوله على تحقيق ذات المقصد، فامتن الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الشأن حين قال سبحانه: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]، فالذي ألف القلوب وجمع الكلمة هو الله جل وعلا، بعدما كان الناس في جاهلية جهلاء، وفرقة عمياء، وفي موضع آخر يأمر سبحانه عموم المسلمين: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103]، أمر الله بالاعتصام وعدم الفرقة لأن ذلك من علامات التقوى، فكأن الاجتماع على كلمة الله هو حبل النجاة الوحيد لهم من الهلكة، ودلالة هذا أن الأصل هو الكتاب والسنة، هذا ما يجمع الناس ويجعلهم يستمسكون بحبل الله دون أن تفرقهم مصالح آنية، ولا خلافات دنيوية.

   ولم يكن أمر الله بتوحيد الصف والالتزام بالصراط الرباني المستقيم مقتصرا على أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحسب، وإنما كل الأنبياء وحدوا أتباعهم على عبودية الله الخالصة وعدم التفرق {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [الشورى:13]، بل أن بعض العلماء قالوا أن الوصايا التي نزلت في سورة الأنعام جاءت في الملل السماوية كلها، {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]، الأمر الإلهي في هذه الآية واضح؛ إذا أردنا النجاة فعلينا باتباع صراط الله المستقيم، ثم بعدها بعدة آيات من نفس السورة يبرئ الله رسوله الكريم من أسباب الفرقة {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159].

والمتأمل في العبادات التي شرعها الله، يجد أنها جميعها تدعو إلى الاجتماع والتآلف والتعاون، ومحاربة كل دعوات الفرقة والتنازع والفردية، بدءا من الصلاة التي من مقاصدها اجتماع الناس عند إقامتها، وتوحيد الصف، وسد الثغرات، وحتى شعيرة الحج الجامعة، التي يجتمع فيها المسلمون الآتون من مشارق الأرض ومغاربها، والتي توحد الناس على مقصد واحد، ومنسك واحد، ومظهر واحد، هل يحتاج المتأمل لأكثر من هذا للدلالة على مدى عناية الشرع باجتماع الناس؟

من ناحية أخرى حين ننظر إلى الدائرة الأوسع في التواصل بين المجتمعات، نجد أن الأصل هو التعايش والسلام، لأننا حملة رسالة، ديننا عام جامع لكل البشرية، كيف نبلغ رسالة الله ونحن نتشاحن أو نقصي أو نزدري الآخر؟ ينبغي أن نتأسى بأخلاق النبي في التعامل مع الموافق وفي التعامل كذلك مع المخالف، كما ينبغي أن نمتثل لأوامر ونواهي النبي الذي نهى عن كل ما يوقع البغضاء، ويوغر الصدور، على سبيل المثال نهى النبي عن بيع المرء على بيع أخيه، وعن خطبة المرء على خطبة أخيه، إلى آخر هذه الضوابط الأخلاقية، حتى يتطهر المجتمع من كل ما يوغر القلوب، وكل ما يؤدي إلى التنازع والنفور.
لا ننكر أن هناك شر يعيث في بعض مجتمعاتنا المسلمة، ويسبب الفرقة والصراع، يتزعمه أناس أصحاب قناعات ورؤى باطلة، يترصدون بها كل سبيل من أجل زعزعة استقرار المسلمين، يدعون إلى التحزب وإلى شق عصا الطاعة والخروج على الحكام.
 
ربنا جل وعلا لو شاء لجعل الناس على درجة واحدة، لكنها حكمة الخالق حتى يتعلم المرء أن يتجاوز أسباب الاختلاف من أجل المصالح العامة، ومسؤوليتنا نحن أن نقاوم كل نزعات الشقاق والخلاف، وأن نلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
إن أردنا النجاة من السقوط في فتنة التفرق والشقاق، فالسبيل واضح، والطريق بين، والمحجة بيضاء تركنا عليها صلى الله عليه وسلم، لا نحتاج إلا أن نتواصى بها كل حين، حتى نعود إلى صراط الله المستقيم.
 

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت