20 سبتمبر 2024 | 17 ربيع الأول 1446
A+ A- A

خطبة الجمعة بتاريخ 19 من ربيع الآخر 1445هـ - الموافق 3 / 11 / 2023م

03 نوفمبر 2023

تَذْكِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَتَبَ الْغَلَبَةَ لِرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ بِنَصْرِهِ، وَأَذَلَّ الشِّرْكَ بِقَهْرِهِ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، قَامَ خَيْرَ الْقِيَامِ بِأَدَاءِ رِسَالَتِهِ، وَنَصَحَ فَأَخْلَصَ النُّصْحَ لِأُمَّتِهِ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَصَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ وَمَا كَانُوا مِنَ الْمُبَدِّلِينَ، وَسَلَّمَ تَسْليِماً مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: 

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللهِ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ؛ فَإِنَّهَا سَبِيلُ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ عَلَى كُلِّ ظَالِمٍ وَفَاجِرٍ وَضِلِّيلٍ؛ فَإِنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ لِتَعْبُدُوهُ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لِتَشْكُرُوهُ؛ قَـالَ تَعَالَى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: 

لَقَدْ شَاءَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَكُونَ الصِّرَاعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مُنْذُ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَأَنْ يَسْتَمِرَّ الصِّرَاعُ بَيْنَ الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ، وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَمَضَتْ أَحْوَالُ الْأُمَمِ مَا بَيْنَ عِزَّةٍ وَذِلَّةٍ، وَكَثْرَةٍ وَقِلَّةٍ، وَانْتِصَارٍ وَانْكِسَارٍ؛ قَالَ تَعَالَى:  إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140].

وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الِابْتِلَاءِ الَّذِي خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ لَهُ؛ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ  [البقرة:214]. وَمَهْمَا تَطَاوَلَ الْبَاطِلُ عَلَى الْحَقِّ وَعَلَا بِأَنْفِهِ، وَصَالَ وَجَالَ: فَإِنَّ لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ صَوْلَاتٍ وَجَوْلَاتٍ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ، حَتَّى يَكْتُبَ اللهُ لَهُمَا الْعِزَّةَ وَالْغَلَبَةَ وَالتَّمْكِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَكَرِّ الْعُصُورِ؛ قَالَ تَعَالَى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ  [الأنبياء:18].  وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ   [التوبة:33].

 إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

وَإِذَا كَانَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَنْصُرُ الْحَقَّ وَيُؤَيِّدُ أَهْلَهُ: فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَسْبَابٍ مَنْ أَخَذَ بِهَا؛ كَانَ النَّصْرُ وَالتَّمْكِينُ عَاقِبَتَهُ، وَالْحَيَاةُ الْحُرَّةُ الْعَزِيزَةُ ثَمَرَتَهُ، وَمِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُحَقِّقُ النَّصْرَ وَالتَّمْكِينَ فِي الْأَرْضِ لِلْمُؤْمِنِينَ: تَوْحِيدُ اللهِ تَوْحِيدًا خَالِصاً، وَعِبَادَتُهُ سُبْحَانَهُ عِبَادَةً لَا تَشُوبُهَا شَائِبَةُ شِرْكٍ وَلَا شَكٍّ وَلَا نِفَاقٍ؛ قَـالَ تَعَـالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]. وَالْإِيمَانُ الصَّادِقُ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ دَاخِلٌ فِي هَذَا؛ فَقَدْ وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ الْمُبِينِ؛ فَقَالَ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]. وَمِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ: نَصْرُ دِينِ اللهِ وَالْغَيْرَةُ عَلَيْهِ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ، وَبَذْلُ الْغَالِي وَالنَّفِيسِ مِنْ أَجْلِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:    وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ   [الحج:40–41].

وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ النَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَبُلُوغِ الرِّفْعَةِ وَالسَّنَاءِ: إِعْدَادُ الْأُمَّةِ إِعْدَادًا مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا؛ بِإِعْدَادِ آلَاتِ الْحَرْبِ لِمُقَاتَلَتِهِمْ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، وَاتِّخَاذِ الْوَسَائِلِ الْمَشْرُوعَةِ لِدَفْعِ غَائَلِةِ الْأَعْدَاءِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:   وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60].

  وَمَا خَابَ مَنْ عَظُمَتْ ثِقَتُهُ بِاللهِ، وَصَدَقَ فِي التَّوَكُّلِ عَلَى مَوْلَاهُ؛ فَإِنَّ التَّوَكُّلَ عَلَاقَةُ صِدْقٍ، وَرِبَاطُ ثِقَةٍ بَيْنَ الْعَبْد وَرَبِّهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى:  إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160]. وَهَلْ كُتِبَ لِلْمُؤْمِنِينَ النَّصْرُ الْمُؤَزَّرُ الْمُبِينُ إِلَّا بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ مَعَ أَخْذِهِمْ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ؟! قَالَ تَعَالَى:  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*  فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران: 173 - 174].

عِبَادَ اللهِ:

وَمِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ: الثَّبَاتُ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَمُصَابَرَةُ الْأَعْدَاءِ؛ إِذْ فِي سَاحَاتِ الْجِهَادِ تُبْذَلُ الْأَرْوَاحُ، وَتُنْفَقُ الْأَمْوَالُ، وَتَتَعَرَّضُ النُّفُوسُ لِلزَّلْزَالِ، وَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، وَهَذَا كُلُّهُ يَحْتَاجُ إِلَى ثَبَاتٍ وَمُصَابَرَةٍ، وَجَلَدٍ وَمُثَابَرَةٍ؛ لِيُنْتَزَعَ الظَّفَرُ، وَتُكْسَبَ الْمَعْرَكَةُ، وَلَكَمْ ثَبَتَ الْمُؤْمِنُونَ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَوْمَاتِ الْوَغَى، وَمَيَادِينِ الْحِمَى!! قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:  وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:146- 148].

وَلَقَدْ عَلِمَ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْإِقْدَامَ، وَالتَّضْحِيَةَ بِالنُّفُوسِ الْكِرَامِ، وَتَرْكَ الْجُبْنِ وَالْإِحْجَامِ: سَبِيلٌ إِلَى الْغَلَبَةِ وَالظَّفَرِ، وَوَسِيلَةٌ لِلْفَلَاحِ وَالنَّصْرِ، فَالْمَعَارِكُ يَخُوضُهَا الشُّجْعَانُ، وَيَتَجَشَّمُهَا الْأَبْطَالُ الْفُرْسَانُ، وَبِتَضْحِيَاتِهِمْ – بَعْدَ فَضْلِ اللهِ – تَنْهَضُ الْأُمَمُ، وَتُنْصَرُ الْمَبَادِئُ وَالشَّرَائِعُ وَالْقِيَمُ. 

مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ إِكْثَارَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَضَرُّعِهِمْ إِلَيْهِ وَتَذَلُّلِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ وَالْحَاجَاتِ؛ يَكُونُ غِذَاءً لِلْأَرْوَاحِ، وَبَلْسَماً لِلْجِرَاحِ، وَقُوتاً لِلْقُلُوبِ، وَزَادًا عِنْدَ الْكُرُوبِ، وَعُدَّةً عِنْدَ مُقَارَعَةِ الْأَعْدَاءِ، وَمُثَبِّتاً عِنْدَ اللِّقَاءِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ؟ [الأنفال: 45]. أَلَمْ يَقُلِ اللهُ سُبْحَانَهُ:  إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ؟ [الأنفال: 9 - 10 ].

وَخَاصَّةً دُعَاءَ الضُّعَفَاءِ وَالْمَظْلُومِينَ؛ فَإِنَّهُ مَسْمُوعٌ وَمُجَابٌ عِنْدَ أَكْرَمِ الْأَكْرَمِينَ؛ فَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ]. وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعاً: «أَبْغُونِي الضُّعَفَاءَ؛ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ].

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ وَنَاصِرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ؛ يُحَقِّقْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مَا وَعَدَكُمْ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

لَنْ تُفْلِحَ أُمَّةٌ تَخَلَّتَ عَنْ دِينِهَا وَمَبَادِئِهَا فِي كَسْرِ شَوْكَةِ أَعْدَائِهَا وَإِلْحَاقِ الْهَزِيمَةِ بِفُلُولِهِمْ؛ مَا لَمْ تَكُنْ يَدًا وَاحِدَةً وَصَفًّا وَاحِدًا عَلَى قَلْبِ أَتْقَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، مُعْتَصِمَةً بِحَبْلِ اللهِ الَّذِي جَعَلَهُ سَبَباً لِاجْتِمَاعِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَنَصْرِهِمْ؛ قَالَ تَعَالَى:   وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103]. وَمَا لَمْ تُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فِي شُؤُونِ حَيَاتِهَا كُلِّهَا، وَتَتْرُكِ التَّفَرُّقَ وَالتَّشَرْذُمَ وَالِاخْتِلَافَ الْمَشِينَ؛ الَّذِي يَذْهَبُ بِالْقُوَّةِ وَيُتِيحُ الْفُرْصَةَ لِلْأَعْدَاءِ الْمُتَرَبِّصِينَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:  وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ:

وَلَقَدْ جَعَلَ اللهُ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ، وَالنَّصْرَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:  هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ  [التوبة: 33  ]. 

وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى:   وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

وَلْيُبْشِرِ الْمُسْلِمُونَ بِنَصْرِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ، فَالْمُسْتَقْبَلُ لِهَذَا الدِّينِ مَا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَشْرِقِهَا؛ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ].

فَإِلَى الْمُرَابِطِينَ عَلَى الثُّغُورِ فِي فِلَسْطِينَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ: أَبْشِروُا فَإِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ .. وَإِنْ كَانَ لِلْبَاطِلِ جَوْلَةٌ تَظْهَرُ؛ فَإِنَّ لِلْحَقِّ صَوْلَةً لَا تُبْقِي وَلَاتَذَرُ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَارْفَعْ رَايَةَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالدِّينِ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الْأَقْصَى الْجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ نَاصِرًا وَمُعِينًا، احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدٍ مِنْ عِنْدِكَ، وَرُدَّ كَيْدَ أَعْدَائِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

معرض الصور

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت