خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 4 من ربيع الآخر 1447هـ الموافق 26 /9 / 2025م
عُثْمانُ بْنُ عَفَّانَ ذُو النُّورَينِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إنَّ مِمَّا يَزِيدُ الْإِيمَانَ، وَيُقَوِّي الْيَقِينَ، مَعْرِفَةَ سِيَرِ مَنِ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتَبَاهُمْ، مَنْ أَقَامُوا الدِّينَ وَشَيَّدُوهُ، وَآزَرُوا نَبِيَّ اللَّهِ وَنَصَرُوهُ، خَيْرِ الْقُرُونِ الْبَشَرِيَّةِ، وَصَفْوةِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَمِنَ السُّنَّةِ ذِكْرُ مَحَاسِنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ).
وَإِنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُضَلَاءِ، وَالسَّادَةِ النُّجَبَاءِ: ثَالِثَ الْأَئِمَّةِ الْخُلَفَاءِ، ذَا النُّورَيْنِ، وَصَاحِبَ الْهِجْرَتَيْنِ، كَرِيمَ الْيَدِ وَالْعَطَاءِ، عَظِيمَ النَّفْسِ وَالصَّفَاءِ، الشَّهِيدَ، أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الْقُرَشِيَّ، أَحَدَ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
أَسْلَمَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدِيمًا عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَكَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَزَوَّج بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُقَيَّهَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ ابْنَتَهُ الْأُخْرَى أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، لَمْ يَتَزَوَّجْ رَجُلٌ مِنَ الْأَوَّلِينِ وَالْآخِرِينَ ابْنَتَيْ نَبِيٍّ إِلَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى جَبَلِ أُحُدٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْبُتْ أُحُدُ! فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُطِيعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيًّا لَهُ وَلِصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهَاجَرْتُ الهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَعِنْدَ حُلُولِ الْفِتَنِ وَتَغَيُّرِ الزَّمَانِ، أَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى التَّمَسُّكِ بِهَدْيِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا!» فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ»، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ. [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ].
عُرِفَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعِفَّةِ النَّفْسِ وَصَفَائِهَا، وَالْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا، قَانِتٌ لِرَبِّهِ، مُطِيعٌ لِمَوْلَاهُ، قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (وَاَللَّهِ، مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَلَا قَتَلْتُ أَحَدًا فَأُقِيدَ نَفْسِي مِنْهُ، وَلَا ارْتَدَدْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ).
جَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَحَدَ أَصْحَابِ الشُّورَى السِّتَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانَ خَيْرَهُمْ، فَاخْتَارَهُ النَّاسُ خَلِيفَةً لَهُمْ، وَلَمْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهِ أَحَدًا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ: (بَايَعْنَا خَيْرَنَا)، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (إِنَّهُ لَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ، وَأَتْقَاهُمْ لِلرَّبِّ)، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى بَيْعَةِ أَحَدٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ).
عِبَادَ اللهِ:
وَمَتَى ذُكِرَ الْإِنْفَاقُ وَالْبَذْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذُكِرَ عُثْمَانُ، صَاحِبُ الْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ، وَالسَّابِقُ إلَى جَزِيلِ الْأَعْطِيَاتِ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ المُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ»؟ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ، وَلَمَّا ضَاقَ المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ بِأَهْلِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدَهَا فِي المَسْجِدِ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الجَنَّةِ»؟ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ مِنْ صُلْبِ مَالِه. [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ].
وَحَضَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالْجُودِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فجَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ r بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ» مَرَّتَيْنِ. [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَالْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ، وَبِذَلِكَ فُضِّلَ عُثْمَانُ عَلَى غَيْرِهِ وَاشْتَهَرَ، وَذَاعَ صِيتُه وَانْتَشَرَ، فَكَانَ يَسْتَحْيِي مِنْهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ، وَمَلَائِكَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ سَاقَيْهِ. فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَلَا أَسْتَحْيِ مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِ مِنْهُ المَلَائِكَةُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَالْقُرْآنُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِه تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَطْمَئِنُّ النُّفُوسُ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (مَا مَاتَ عُثْمَانُ حَتَّى خَلُقَ مُصْحَفُهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا يُدِيمُ النَّظَرَ فِيهِ)، وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَامِلًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَيَقُولُ: (لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ رَبَّنَا، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ).
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (وَفِي عَصْرِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ امْتَدَّتِ الْمَمَالِكُ الْإِسْلَامِيَّةُ إلَى أَقْصَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا... وَجُبِيَ الْخَرَاجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إلَى حَضْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَذَلِك بِبَرَكَةِ تِلَاوَتِهِ وَدِرَاسَتِهِ وَجَمْعِهِ الْأُمَّةَ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ).
وَكَانَ النَّاسُ فِي خِلَافَتِهِ فِي عَيْشٍ رَغِيدٍ، وَخَيْرٍ وَفِيرٍ، وَفِي أُلْفَةٍ وَوِفَاقٍ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَاصِفًا حَالَ النَّاسِ آنَذَاكَ: (الْأَعْطِيَاتُ جَارِيَةٌ، وَالْأَرْزَاقُ دَارَّةٌ، وَالْعَدُوُّ مُتَّقًى، وَذَاتُ الْبَيْنِ حَسَنٌ، وَالْخَيْرُ كَثِيرٌ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخَافُ مُؤْمِنًا، مَنْ لَقِيَهُ فَهُوَ أَخُوهُ مَنْ كَانَ).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَعَصَمَهُ وَآوَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
وَلَمَّا عَمَّ الرَّخَاءُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَانْتَشَرَ الْأَمْنُ، وَكَثُرَتِ الْفُتُوحَاتُ، مَلَّ مَرْضَى الْقُلُوبِ النِّعْمَةَ، وَاسْتَبْدَلُوا الْعَيْشَ الهَنِيَّ بِالنِّقْمَةِ، وَهَكَذَا حَالُ الكَثِيرِ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِذَا أَلِفُوا النِّعَمَ وَدَامُوا عَلَيْهَا، لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ يَكْفُرُوهَا، وَقَصَدُوا إلَى الْفِتْنَةِ فَنَشَرُوهَا، فَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ عَلَى عُثْمَانَ زَاعِمِينَ الْإِصْلَاحَ، وَثَارَ عَلَيْهِ مَنْ يَدَّعِي الْخَيْرَ وَالْفَلَاحَ.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ، فَأَمَرَنِي بِحِفْظِ البَابِ، فَجَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائذَنْ له وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
فَلَمَّا عَظُمَتِ الْفِتْنَةُ، وَاشْتَدَّتِ الْمِحْنَةُ؛ خَرَجَ الْعُصَاةُ الْمَارِقُونَ عَلَى الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُثْمَانَ، وَحَاصَرُوهُ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى مَنَعُوهُ الطَّعَامَ، وَحَبَسُوهُ عَنِ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى تَسَوَّرُوا الْجِدَارَ، وَأَحْرَقُوا الْبَابَ، وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ صَائِمًا، بِيَدِهِ الْمُصْحَفُ قَارِئًا وَتَالِيًا، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَزِنَ الصَّحَابَةُ لِمَقْتَلِهِ حُزْنًا شَدِيدًا، وَلَمَّا بَلَغَ الخَبَرُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَتَلَا فِي حَقِّ الَّذِينَ قَتَلُوهُ: )قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ( [الكهف:103-104]. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ أَنْدِمْهُمْ، ثُمَّ خُذْهُمْ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ عَاقِبَةَ الْفِتَنِ وَخِيمَةٌ، وَمَآلُ أَهْلِهَا الْخُسْرَانُ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ، وَالْوَاجِبُ الِاجْتِمَاعُ مَعَ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَطَاعَتُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَبَذْلُ النَّصِيحَةِ لَهُمْ سِرًّا، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالتَّوْفِيقِ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَلْهِمْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَدَوَامَ عَافِيَتِكَ، وَجَنِّبْنَا فُجَاءَةَ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعَ سَخَطِكَ، وَبَارِكِ اللَّهُمَّ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَأَوْلَادِنَا وَأَزْوَاجِنَا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة